أثرها في النفس، قال الجرجاني: «واعلم أنّ ممّا اتفق العقلاء عليه: أن التمثيل إذا جاء في أعقاب المعاني أو برزت هي باختصار في معرضه، ونقلت عن صورها الأصلية إلى صورته، كساها أبهة، وأكسبها منقبة ورفع من أقدارها، وشبّ من نارها، وضاعف قواها في تحريك النفوس لها، ودعا القلوب إليها واستثار لها من أقاصي الأفئدة صبابة وكلفا، وقسر الطباع على أن تعطيها محبة وشغفا، فإن كان مدحا كان أبهى وأفخم وأنبل في النفوس وأعظم...
وإن كان ذمّا كان مسّه أوجع»
«١٥».
كما أبرز الزمخشري عدة جوانب لأهمية الأمثال في التعبير. يقول: «ولضرب العرب الأمثال، واستحضار العلماء المثل والنظائر شأن ليس بالخفي، في إبراز خبيّات المعاني، ورفع الأستار عن الحقائق، حتى تريك المتخيل في صورة المحقق، والمتوهم في معرض المتيقن، والغائب كأنه مشاهد، وفيه تبكيت للخصم الألد، وقمع لسورة الجامح الأبيّ، ولأمر ما أكثر الله في كتابه المبين وفي سائر كتبه أمثاله» «١٦».
لهذا كان لتصوير الأمثال القرآنية تأثيرها القوي في ذم الكافرين واليهود والمنافقين، لأنها كانت جارية على طريقة العرب التصويرية، في ضرب الأمثال للأشباه والنظائر، وقد استغلّ هؤلاء تصوير الأمثال بالذباب والعنكبوت، ونحو ذلك، فراحوا يشكّكون في الأمثال القرآنية، ليحدّوا من انتشارها، وسيرورتها على ألسنة الناس.
فجاءهم الرد القاطع في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها... البقرة: ٢٦، لأن معجزة الله سبحانه في الخلق من العدم، تتجلى في المخلوقات الصغيرة والكبيرة معا، فالإعجاز يكمن في سرّ الحياة، وليس في الضخامة والكبر للأشياء والمخلوقات.
وضرب المثل بهذه المخلوقات الصغيرة، يهدف إلى بيان قدرة الله عز وجل، ولفت أنظار الناس ليتفكروا في هذه المخلوقات الصغيرة في حجمها، والحقيرة في شأنها، ولكنها معجزة في خلقها وتكوينها.
ويعتمد تصوير الأمثال في أغلب الأحيان على كلمة «ضرب» بصيغ مختلفة، وهذه

(١٥) أسرار البلاغة: ٩٢ - ٩٣.
(١٦) الكشاف: ١/ ١٩٥


الصفحة التالية
Icon