ولكن النقاد المعاصرين أهملوا الصورة القرآنية في دراساتهم النقدية والأدبية، تنظيرا وتطبيقا، وفضّلوا قصرها على الصورة الشعرية فقط، فجاءت أحكامهم مقصورة على الشعر لا تتعداه إلى أجناس التعبير الأخرى، ولا تكتمل دراسة الصورة إلا بدراسة الصورة القرآنية أيضا لمعرفة ما فيها من خصوصية في التعبير والتصوير.
إن الصورة القرآنية، لا يمكن أن تفهم من خلال الدراسات البلاغية القديمة لها فحسب وإنما لا بدّ من توسيع مفهوم الصورة القرآنية، لكي تستطيع استيعاب الفكر الإسلامي الذي تجسّده.
لهذا سأحاول في هذا الفصل أن أدرس مفهوم الصورة بين القديم والحديث، وما وقعت فيه البلاغة القديمة من الفهم الجزئي للصورة، والتركيز على الشكل دون المضمون، نتيجة مؤثرات عدة، لأصل في النهاية إلى أن الدراسات القديمة، لا تستوعب كل الصور القرآنية، ولا تبرز خصوصيتها في بنائها الفني المعتمد على الفكر الديني، ووظيفتها الهادفة لتحقيق الغرض الديني من التصوير. لهذا لا بدّ من توسيع مفهومها لتستوعب هذا الفكر، وتقوم بإيصاله. كما أن الدراسات الحديثة للصورة، اقتصرت على الشعر، واضطربت في فهمها على الرغم من محاولة النقاد المعاصرين التوسيع من مفهومها، وقد قسمت هذا الفصل إلى فقرتين أساسيتين، أدرس في الأولى مفهوم الصورة عند القدماء وفي الأخرى مفهومها عند المعاصرين.
أ- الصورة عند البلاغيين والنقاد القدماء:
اهتم البلاغيون والنقاد العرب بدراسة الصورة، وتحليل أركانها، وبيان وظائفها. من خلال دراساتهم للأسلوب القرآني الذي اعتمد الصورة في التعبير عن أغراضه الدينية، والشعر العربي الذي حفل بها حتى لا تكاد تخلو قصيدة شعرية منها.
ولكن آراءهم حول الصورة جاءت متأثرة بآراء اللغويين والمفسرين والفلاسفة الذين يحدّدون مدلول الكلمة في الشكل دون المضمون غالبا:
ففي المعاجم العربية يدور مدلول كلمة الصورة حول الشكل الخارجي، فقد جاء في القاموس المحيط «الصورة بالضم: الشكل والجمع صور وصور، وقد صوّره فتصوّر، وتستعمل


الصفحة التالية
Icon