مشهور في كلام العلماء ويكفيك قول الجاحظ: إنما الشعر صياغة وضرب من التصوير» «٢٨».
والفرق واضح بين الجاحظ والجرجاني في مفهوم الصورة، فالجاحظ يعتبر الشعر ضربا من التصوير، بينما الجرجاني يعتبر الشعر تصويرا كله، لأن التصوير عند الجرجاني هو الهيئة التي تتشكل فيها المعاني حقيقية أو مجازية.
وتصوير المعاني يعني نظمها على هيئة مخصوصة. ويهدف الجرجاني من ربطه الصورة بالسياق اللغوي أن يقضي على الثنائية بين اللفظ والمعنى، وما أثير من جدل نقدي حول تفضيل أحدهما على الأخر. فاختار الجرجاني اسما بديلا لهما هو «صور المعاني» ويعني بها الصورة التي تتشكل فيها المعاني. ويعرض الجرجاني للأنواع البيانية كالتشبيه والاستعارة والكناية، في كتابه «دلائل الإعجاز» ليثبت أن جمال هذه الأنواع لا يرجع إلى حسن ألفاظها وإنما يرجع إلى أنها «صور للمعاني» «٢٩».
ويتوسّع الجرجاني في مفهوم الصورة، فيرى أنها متعددة العناصر، فقد تعتمد على الأنواع البيانية المعروفة، وقد تعتمد على أشكال أخرى، كالتقديم والتأخير أو القصر أو الخبر أو الإنشاء ونحو ذلك «٣٠»، ولكن الجرجاني يعتبر الأنواع البيانية كالتشبيه والتمثيل والاستعارة. أهم عناصر الصورة المكوّنة لها، فهي الأصول التي تدور المعاني حولها، وإليها يرجع محاسن الكلام غالبا يقول: «فإنّ هذه أصول كبيرة كان جلّ محاسن الكلام- وإن لم نقل كلها- متفرعة عنها وراجعة إليها، وكأنها أقطاب تدور عليها المعاني في متصرفاتها وأقطار تحيط بها من جهاتها» «٣١»، فالجرجاني لا يحصر الصورة في الأنواع البيانية المعروفة، وإنما يتوسّع في مدلولها، ويجعلها إطارا عاما تتشكّل فيه المعاني، وتظهر فيه كل الأساليب الفنية بيانية وغير بيانية «٣٢».
ويخصّص الجرجاني كتابه «أسرار البلاغة» للحديث عن عناصر تشكيل الصورة مثل التشبيه والاستعارة والتمثيل كما خصّص «دلائل الإعجاز» لربط الصورة بالصياغة أو النظم
(٢٩) المصدر السابق: ص ٢٦٤ - ٢٦٥.
(٣٠) الصورة بين القدماء والمعاصرين: ص ٢٦.
(٣١) أسرار البلاغة: عبد القاهر الجرجاني. ص ٢٠.
(٣٢) الصورة بين القدماء والمعاصرين: ص ٣٢.