ولم ينظر هؤلاء إلى طبيعة اللغة العربية المصورة بمفرداتها وتراكيبها، واشتقاقاتها الغنية، التي تثير صورا فنية مؤثرة بل إنهم لم يتابعوا عبد القاهر الجرجاني، والزمخشري فيما توصّلا إليه، من مفهوم للصورة، يعدّ متقدما وذا قيمة إذا وضع في إطار عصرهما.
إنّ مفهوم القدماء للصورة ظلّ مفهوما جزئيا لها، يدور في الإطار الحسي، بعيدا عن النظرة الكلية والشمولية للعمل الأدبي، وحتى كتب الإعجاز، تأثّرت باتجاه النقد العربي القديم، فاهتمت بالصورة المفردة أو الجزئية دون أن تهتم بالصورة الكلية للسياق، أو بالبناء العام للصورة في القرآن كله القائم على نظام العلاقات بين الصور الجزئية والكلية، والصور الحسية والنفسية.
ثم إن وظائف الصورة الفنية عند القدماء جاءت أيضا متسمة بالجزئية نتيجة لمفهوم الصورة عندهم، فهي تهدف إلى الشرح والتوضيح أو التحسين أو التقبيح أو المبالغة أو الإقناع «٤٨».
ولم ينظروا إلى الصورة باعتبارها تحمل رؤية جديدة للواقع أو الحياة.
إن الصورة القرآنية تحمل رؤية جديدة للحياة وتهدف إلى بناء الإنسان، وبناء الحياة على أسس دينية ولا يمكن أن ننظر إلى وظيفتها نظرة جزئية من خلال الصورة المفردة فقط، بل لا بد من نظرة شمولية للأسلوب القرآني كله حتى نفهم سرّ إعجازه، ونفهم وظيفة الصورة ضمن هذا الإطار العام والشامل.
ب- الصورة في النقد الحديث
كثرت الدراسات الأدبية والنقدية حول الصورة في العصر الحديث، تنظيرا وتطبيقا، وافتن الدارسون ببيان أهميتها، وأنواعها، ووظائفها. واختلفت مفاهيمهم حولها، تبعا لاختلاف المذاهب الأدبية.
فمنهم من انطلق من التراث النقدي العربي لإثبات أن تراثنا النقدي، قد استوفى دراسة الصورة من جميع نواحيها «٤٩»، ومنهم من اعتمد في دراستها على المفاهيم الأجنبية، فراح

(٤٨) الصورة الفنية في التراث البلاغي والنقدي: ص ٣٦٤ وما بعدها.
(٤٩) د. كامل حسن البصير في كتابه «بناء الصورة الفنية»، ود. محمد أبو موسى في «التصوير البياني».


الصفحة التالية
Icon