شدة ورخاوة، وجهر وهمس وغير ذلك.
فحرف الياء حرف ليّن رخو، وحرف الجيم شديد، وحرف الجيم أيضا مجهور، والشين مهموس، واختلاف صفات الحروف هي التي جعلت «كلمة جيش» سهلة النطق، عذبة
الوقع على الأذن.
فالتلاؤم لا يرجع إلى مخارج الحروف فقط، وإنما يرجع إلى صفاتها أيضا، كما يرى ذلك مصطفى صادق الرافعي في العصر الحديث.
فقد تحدّث الرافعي عن إعجاز النظم الموسيقى في القرآن، وأرجع ذلك «لترتيب حروفه باعتبار من أصواتها ومخارجها، ومناسبة بعض ذلك لبعضه، مناسبة طبيعية في الهمس والجهر، والشدة، والرخاوة، والتفخيم، والترقيق، والتغشي، والتكرير» «١٢».
فتشكيل الصورة، يبدأ من إقامة الروابط والعلاقات، بين مخارج الحروف وصفاتها، لإكسابها صفة السهولة والعذوبة والفصاحة.
ثم هناك أيضا «حركات الحروف» التي لها قيمة في إحكام الروابط بين الحروف، لتوظيفها في أداء المعنى.
وثقل الحروف ذوات المخارج الواحدة أو المتقاربة، إذا فصلت بحرف أو بحركة، فإنّها تخفّ بذلك، ويزول ثقلها في النطق، يقول إبراهيم أنيس في ذلك: «لمعرفة ثقل الحروف في تواليها يجب أن نذكر دائما أن المجاورة بين الحرفين، يجب أن تكون مباشرة، فلا يفصل بينهما بحرف أو بحركة» «١٣».
فحركات الحروف إضافة إلى صفاتها، ومخارجها، كلها روابط وعلاقات ملحوظة في بناء الكلمة، ثم بناء الصورة، فنحن لا نجد في العربية كلمة متطابقة في مخارجها، وصفاتها، وحركاتها.
وهذا التنويع في بناء الحروف، يحقّق وحدة صوتية متناغمة ومنسجمة للكلمة، ويكسبها قيمة جمالية.
فالانسجام أو التناسق بين الحروف في الكلمة القرآنية، يرجع إلى مخارجها، وصفاتها، وحركاتها المتنوّعة، ومن مجموع هذه العلاقات الصوتية، تتكوّن النغمة الموسيقية للكلمة،

(١٢) إعجاز القرآن: مصطفى صادق الرافعي. ص ٢١٥.
(١٣) موسيقى الشعر: د. إبراهيم أنيس. ص ٢٨.


الصفحة التالية
Icon