ولكنّ الباقلاني يخطو خطوة فنية في تحليل الحركة في الصورة القرآنية في قوله تعالى: قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ الشعراء: ٥٠.
يقول الباقلاني في تعليقه عليها «وممّا يصوّر لك الكلام الواقع في الصفة تصوير ما في النفس، وتشكيل ما في القلب حتى تعلمه وكأنك مشاهده» «٤٨».
فهو يرى هنا أنّ الحركة في الصورة المرسومة، تعبّر عن الحالة النفسية أو الانفعالات الوجدانية بحركة الانقلاب الحسية، حتى تغدو الحالات النفسية، وكأنّها مشاهد منظورة فيها الحركة المتجددة.
ورؤية الباقلاني هذه لها قيمتها الفنية إذا وضعناها في إطار العصر الذي قيلت فيه، فهو تحدّث عن «الحركة» بلغة النقد الحديث الذي يعتبر قوة الحركة في نقل المشاعر الداخلية وتجسيمها في مشاهد مرئية.
ولكن هذه الرؤية المتقدمة تظلّ جزئية، لا تتعدى الشاهد المدروس إلى تحليل الظاهرة الفنية في التصوير القرآني.
وهذا ما تحقّق في العصر الحديث على يد سيد قطب الذي استفاد من آراء القدماء، واطلاعه في النقد الحديث، فصاغ آراء القدماء هذه بلغة النقد المعاصر، بعد أن جعلها ظاهرة فنية في الصورة القرآنية.
فقد لاحظ سيد قطب أن «الحركة» سمة عامة في التصوير القرآني وأنه «قليل من صور القرآن هو الذي يعرض صامتا ساكنا لغرض فني يقتضي الصمت والسكون، أمّا أغلب الصور ففيها حركة مضمرة أو ظاهرة، حركة يرتفع بها نبض الحياة، وتعلو بها حرارتها، وهذه الحركة ليست مقصورة على القصص والحوادث ولا على مشاهد القيامة، ولا صور النعيم والعذاب أو صور البرهنة والجدل بل إنّها تلحظ كذلك في مواضع أخرى لا ينتظر أن تلحظ فيها» «٤٩».
ويطلق على الحركة مصطلح «التخييل الحسي» لبثّ الحياة في شتى الصور القرآنية.
ويورد الأمثلة من القرآن، لدعم فكرته هذه، ويدلّ تحليله لها، على ذوق أدبي رفيع،

(٤٨) إعجاز القرآن: الباقلاني. ص ٢٤٤.
(٤٩) التصوير الفني: ص ٧٢.


الصفحة التالية
Icon