وقد تكون خفيّة لا تكاد تظهر لكنها موجودة مثال ذلك في قوله تعالى: وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً مريم: ٤، فحركة الشيب خفيّة لا تظهر جليّة إلا بعد مرور السنين.
وقد تكون الحركة متخيّلة غير محسوسة كقوله سبحانه وتعالى: وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ البقرة: ١٦٨، فحركة خطوات الشيطان، تتبعها حركة الإنسان، مقتفيا خطواته، حركة متخيلة، تساعد على رسم المشهد للشيطان وهو يقود أتباعه إلى الضلال.
وهناك «الظلال» المصاحبة للصورة بالإضافة إلى الإيقاع والحركة.
وقد ساعدت اللغة العربية باشتقاقاتها المختلفة على إغناء الجانب الدلالي للألفاظ، والإيحاء بالمعاني من وراء الدلالة اللغوية للكلمة.
وقد قام الزمخشري بالربط بين الصيغة اللغوية، ودلالتها النفسية في الصورة الفنية.
ففي قوله تعالى: يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ الحج: ٢.
يرى الزمخشري أن كلمة «مرضعة» أكثر إيحاء ودلالة من «مرضع» فالمرضعة تدل على إرضاع طفلها وقت وقوع الحدث، ولكنّها لشدّة الهول في ذلك اليوم تذهل عن طفلها الرضيع، فتنزع ثديها بعد أن ألقمته إياه من شدّة اندهاشها لما ترى.
وأما المرضع فهي لا تدل على الإرضاع وقت وقوع الحدث، وإن كانت في الأصل هي مرضع «٥١».
فالزمخشري لا يتوقف عند الدلالة اللغوية للاسم المؤنث، بل يلاحظ ما بين الاسمين من فروق في ظلال المعاني، والإيحاء بها من وراء الدلالة اللغوية، وهذه الظلال مقصودة في أثناء تصوير المشهد لاستحضارها أيضا معه في رسم الأهوال والأحداث في يوم القيامة.
ويعلّل الزمخشري بحسّه المرهف استخدام كلمة «الحيوان» في قوله تعالى: وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ العنكبوت: ٦٤، فرأى أنها تزيد من إيضاح المعنى، فتدلّ على الحركة وتوحي بالمبالغة في معنى الحياة «٥٢».
ويلاحظ أنّ الزمخشري يربط ظلال المعاني بالصيغة اللغوية أو أوزانها واشتقاقها.
ولكنّ سيد قطب في العصر الحديث يربط الظلال للمعاني بدلالتها الحسية يقول:

(٥١) الكشاف: ٣/ ٤.
(٥٢) المصدر نفسه: ٣/ ٢١١.


الصفحة التالية
Icon