في حديثهم عن أقسام التشبيه بحسب طرفيه «٥٧». وإن لم يسمّوا هذا اللون من التشبيه بمصطلح «التجسيم».
والتجسيم الفني، له أثره في النفس، لأنه يحوّل المعنويات إلى محسوسات، والنفس تتأثر بالمحسوس أكثر من تأثرها بالمعنى المجرد، وبذلك يدخل التجسيم ضمن علاقات الصورة وروابطها الفنية.
وهناك نوع آخر من العلاقات، بين الصورة الفنية، وبين مطلع السورة نفسها، وهذه العلاقة بين المطلع والصورة، تحقّق الوحدة الفنية للصورة، على صعيد السورة كلها.
فنحن نلاحظ كأنّ مطلع السورة، يعدّ مدخلا لجوّ الصورة الفنية أو مفتاحا لها.
ولا أقصد مطالع السور المعتمدة على الحروف الأبجدية، بل أقصد تلك التي تعتمد على التصوير أيضا ويطلق عليها سيد قطب مصطلح «الإطار» ولكنّ مصطلح الإطار أقرب إلى التصوير الضوئي منه إلى التصوير الفني ثم إنّه يصرف الذهن إلى الاهتمام بشكل الصورة، وإهمال مضمونها.
وأكثر ما تتضح هذه الظاهرة الفنية في السور القصار، حيث تكون الافتتاحية للسورة على علاقة وثيقة مع الصورة الفنية المرسومة في داخل السورة. وكأنّ هذه الافتتاحية تهيئ الذهن للدخول في جوّ الصورة الفنية، والتحليق في أجوائها الفنية بما فيها من إيقاع وظلال، وألوان، وحركة، وحياة، وخيال. بحيث تشكّل هذه العلاقات الداخلية للصورة مع الافتتاحية نسيجا موحدا، يحقّق الوظيفة الدينية للصورة.
وقد تكون «الافتتاحية» مفردة، وأحيانا تكون متنوّعة أو متعددة، وهذا الإفراد في الافتتاحية أو التنويع فيها، مرتبط بجوّ الصورة الفنية.
كما أن التنويع في الافتتاحية يعتمد على العلاقات المتوازنة التي تمتد إلى أجزاء الصورة، وجوّها وما فيها من صور متقابلة أيضا.
مثلا سورة «العاديات» تعتمد على مطلع واحد، تجتمع فيه عناصر التصوير من حركة ولون وإيقاع في وحدة فنية منسجمة، يقول تعالى: وَالْعادِياتِ ضَبْحاً، فَالْمُورِياتِ
قَدْحاً، فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً، فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً، إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ، وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ