لَشَتَّى، فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى، وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى... الليل: ١ - ١٠.
ويعتمد المطلع هنا على الصورة البديعية القائمة على التضاد بين الليل والنهار، وما فيهما من لونين مختلفين الأبيض والأسود، وهذا التضاد في المطلع يمتد إل بقية الصور الأخرى بكل مشاهدها وأجزائها. فينتقل التضاد من الصورة الكونية في الليل والنهار إلى الصورة الإنسانية في الذكر والأنثى ثم يمتد التضاد في صورة الأفعال الإنسانية، فهناك صورة المنفق، وصورة البخيل، وما يترتب على الصورتين من جزاء مختلف أيضا.
ثم تمتد ثنائية التضاد إلى الآخرة والأولى، وما بين الآخرة والدنيا من اختلاف، ثم يبدأ تفصيل الاختلاف بين الآخرة والدنيا من حيث أفعال البشر فهناك الأشقى والأتقى.
ونلاحظ نظام العلاقات بين المطلع والصور الأخرى، فالعلاقة المتضادة بين الأبيض والأسود تمتد إلى الذكر والأنثى، ثم إلى الأشقى والأتقى، ثم إلى الجنة والنار.
فالوحدة الفنية بارزة بوضوح هنا ابتداء من المطلع وحتى الختام. وبين المطلع والخاتمة علاقات ووشائج وكما يترابط شريط الصور المعروض، يترابط أيضا ألفاظا وجملا وإيقاعا وظلالا وحركة وألوانا، حتى يتكامل رسم الصورة البديعية القائمة على التضاد لإظهار الفروق بين طرفيها.
ومن خلال هذه الثنائية التصويرية والتعبيرية، ترتسم صورة الإنسان، واضحة المعالم بنموذجيه الأشقى والأتقى، والفوارق بين النموذجين هي الفوارق بين اللونين في المطلع «الليل والنهار» وقد تجلت الوحدة الفنية للصورة في وحدة الموضوع، ووحدة الأثر النفسي، ووحدة الإيقاع الهادئ الرضي المنسجم مع تصوير الثنائية في الألوان، والإنسان والكون، والأفعال.
ووحدة الصورة نتلمّسها أيضا في القطبين المتنافرين من الأبيض والأسود، اللذين تفرّعا إلى أجزاء متنافرة، كل جزء يرجع إلى مصدره، فيتآلف معه ويتحد، ويتنافر مع الجزء الآخر ويبتعد وتمتد الأجزاء في الزمان والمكان إلى اليوم الآخر، ويبقى التنافر بين القطبين قائما، وذلك حتى تحقق الصورة غرضها الديني من خلال هذا الغرض الفني المقصود أيضا.
وتختم الصورة بنموذج الأتقى، لأنه النموذج الذي يراد إبرازه في التصوير ليكون قدوة للاحتذاء والاقتداء.


الصفحة التالية
Icon