الوحدة والانسجام بين سور القرآن الكريم، في ترتيبها، وموضوعها، وصورها.
كما أنّنا نلاحظ أن «الفاتحة» تعتبر كالمقدمة للقرآن الكريم، وقد أجملت القضايا الدينية الأساسية فهي تتحدث عن الله وصفاته واليوم الآخر، والتوجه إلى الله بالعبادة، والاستعانة به، والاستقامة على دينه وهذه موضوعات كلية جاء القرآن ليقررها، ويرسخها في الأذهان، ثم ما جاء بعد هذه المقدمة، يعدّ من قبيل التفصيل لموضوعاتها الكلية. لهذا سميت الفاتحة ب «أم الكتاب» أي: الأصل فيه.
كما أنّ القرآن يبدأ بالحمد لله، وينتهي بقوله «رب الناس» وما بين مطلعه وخاتمته، تتدفق المعاني والصور مرتبطة بالألوهية والربوبية، لإيضاح آثار القدرة الإلهية.
فالوحدة والتلاحم ملحوظ في آيات القرآن وسوره، كما أن الوحدة ملحوظة أيضا في الصورة الفنية فيه، حيث إن الصورة الفنية فيه كالبنية الحية، تنمو وتتسع، حتى يكتمل البناء الفني في صورة «كلية» تدور من حول الصورة المركزية» فتوضح صفاتها، ومعانيها، وأفعالها، وآثارها.
ثم إنّ الوظيفة الفنية للصورة، وصلت حدّا معجزا للبشر إذ ليس في مقدور البشر أن يأتوا بمثل صور القرآن في التعبير عن المعاني، تصويرا، وأداء، وتناسقا وإيقاعا، وحركة، وتأثيرا.
وقد تحدّى القرآن العرب بذلك فعجزوا، وأقروا بعجزهم وقصورهم عن مجاراته أو الإتيان بمثله تعبيرا وتصويرا، وهم أهل فصاحة وبيان، وألفاظه وتعبيراته مألوفة لديهم، ولكنّ تعابيره وصوره حية شاخصة ومؤثرة.
وقد امتازت طريقته التصويرية بأنها تعرض الحقيقة، وتدور في إطارها، ولا تتعداها، وتكشف جوانبها وكل ارتباطاتها، بشمولية ليس فيها تعقيد أو غموض، وواقعية ليس فيها جمود.
كما أن الصورة الفنية في القرآن ليست موزّعة الأجزاء، كلّ يعمل في اتجاه، وإنما هي متلاحمة العناصر ضمن نظام العلاقات التعبيرية والتصويرية والفكرية.
والوظيفة الفنية، بكلّ ما فيها من علاقات وروابط فنية تسير مع الوظائف الأخرى في اتجاه الوظيفة الدينية، لتدعمها، وتقوّيها لأنها هي الأساس من التصوير. وكلّ الوظائف تدور من حولها كما تدور الأفلاك من حول الشمس في حركة موزونة متناسقة. كذلك فإن حركة الوظيفة الفنية بعلاقاتها المتشابكة تدور حول الوظيفة الدينية، بنظام موزون، وتناسق وترابط.