يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ، يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ، وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ، كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ الحج: ١٩ - ٢٢.
وقد يغلب العذاب المعنوي في الصورة على العذاب الحسي إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ... الحج: ١ - ٢.
وقد ترتقي الصورة إلى نوع خاص من العذاب المعنوي كقوله تعالى: وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ أل عمران: ٧٧.
هذا التنويع في تصوير العذاب يقصد به إثارة مشاعر الخوف بدرجاته، ومستوياته المتعددة، فالناس يتأثّرون عموما عن طريق الحواس، لذلك كان التصوير الحسي للعذاب، لتحقيق التخويف منه، ثم هناك التأثر بالصور المعنوية أيضا وهي لا تقل في التخويف عن مثيلاتها من الصور الحسية.
فالتنويع في الصور جاء ليشمل جميع المؤثّرات في النفس بمستوياتها، ودرجاتها.
ولكنّ الصورة القرآنية لا تكتفي بالتخويف، وإنما تعرض صورا مقابلة للنعيم، لبعث مشاعر الأمل والرجاء وبذلك تقيم الصورة، المشاعر المتوازنة بين الخوف والرجاء، أو الترغيب والترهيب في داخل النفس الإنسانية.
لذلك، نلاحظ تقابل صور النعيم والعذاب في السياق الواحد.
وكما قلنا في مشاعر الخوف نقول في مشاعر الرجاء أيضا، فالصورة تضع هذه المشاعر في الاتجاه الصحيح فحين تعرض الصورة للمتاع الدنيوي، لا ترفضه أو تنفر منه، وإنما تدعو إلى الاقتصاد فيه، وعدم الانغماس في لذات الدنيا الزائلة، ونسيان الآخرة، فتعرض عليه مشاهد من نعيم الآخرة الباقي حتى يقابل الإنسان بين المتاع الفاني، والمتاع الباقي، يقول الله تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ، قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ.. آل عمران: ١٤ - ١٥.
فصورة متاع الدنيا، تقابلها صورة المتاع في الآخرة. وذلك لتوجيه آمال الإنسان نحو متاع الآخرة الباقي، فهو أحقّ أن تتجه إليه مشاعر الأمل والرجاء، لأنّ متاع الآخرة باق،