ففي الإنفاق طمأنينة نفسية للفقراء والضعفاء، وترغيب للأغنياء، ببعث مشاعر الرجاء والأمل فيهم من خلال تصوير مضاعفة الإنفاق لهم أضعافا مضاعفة مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ البقرة: ٢٦١.
وتحذير الأغنياء من الإمساك والبخل، كما ورد ذلك في تصوير الجنة التي أصابها إعصار فيه نار فاحترقت أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ... البقرة: ٢٦٦.
فهذه الصور للإنفاق والإمساك، تبعث مشاعر الأمل والرجاء، والخوف والرهبة أيضا في النفس، وتقيم التوازن بين الإنفاق والإمساك، حتى لا ترجح كفة على أخرى، لأن الحياة لا تقوم إلا بالتوازن بينهما، والشدّ في شعور واحد دون الآخر، أو التركيز عليه، يؤدي إلى قطعه في داخل النفس وتمزيق الكيان الإنساني الذي فطره الله على هذه المشاعر المتقابلة ودور الصورة فيها هو في إقامة التوازن بينها، من خلال تحريكها، وبعثها، لتكون في الاتجاه الصحيح لها.
كذلك نلاحظ صورة المنفق المخلص لله في إنفاقه، توضع في مقابل صورة المنفق المرائي المنّان.
حتى تتضح الفروق بين النموذجين، والترغيب أيضا بالاقتداء بالنموذج الأول، والتحذير من النموذج الثاني المرائي.
ومعظم صور القرآن الكريم تعزف على هذين الوترين النفسيين، لتهذيب مشاعر الإنسان، وبناء نفسه لأن الطريق لبناء سلوك الإنسان، يبدأ أولا من البناء النفسي المتوازن.
والتصوير القصصي في القرآن يعزف أيضا على وتري الخوف والرجاء، فهناك التخويف من مصائر المكذبين الذين عاقبهم الله في الدنيا مثل عاد وثمود وقوم لوط، وقوم نوح وغيرهم، وهناك أيضا بعث مشاعر الأمل والرجاء في القلوب المؤمنة التي ترى في قصة موسى مثلا، أملا في النصر والتمكين، ودحر الباطل وهلاكه. وبذلك تتحرر القلوب من مشاعر الخوف من قوى الأرض، وتتعلق بقوة الله التي لا تغلب، وتتجه النفس الإنسانية إلى


الصفحة التالية
Icon