أوضّح أنهم قاموا بوضع الأسس والقواعد لعلم البلاغة، وفق ظروف عصرهم، وما فيه من أذواق ومقاييس.
وجهودهم في هذا الميدان كبيرة، ويبقى علينا أن نتابع الخط الذي سلكوه، ونتدارك التقصير الذي وقعوا فيه، فنحاول إنقاذ البلاغة العربية من قواعد السكاكي والقزويني، تلك القواعد الصارمة الجافة، التي أفقدتها روحها وبهاءها وتأثيرها وجعلتها علما جافا، بعد أن كانت فنا قائما، ولا بدّ الآن من إعادتها من جديد إلى إطار الفن، لتصبح «فنون البلاغة» بدلا من «علوم البلاغة».
وإذا كان البلاغيون قد وفقوا، عند الصورة الجزئية، فيجب علينا أن نتابع السير، ولا نتوقف في فهم الصورة، عند تلك الحدود الجزئية، بل نربط الصورة الجزئية بالنسق، فننظر إليها من خلال البناء التصويري العام، فتبدو فيه الصورة الجزئية لبنة من لبناته، تؤدي وظيفتها ضمن البناء العام أو الصورة الكلية.
كما نربط الصورة بالشعور أو النفس، وبالفكرة، لأن الصورة الخالية منهما، صورة جافة باردة أو صورة مزركشة شكلية.
فنحن ننطلق من البلاغة القديمة، ولكننا لا نتوقف عند حدودها، لأن الدراسات النقدية والبلاغية في تقدم مستمر في الكشف عن خصائص فن القول، والأسلوب
التصويري المؤثر.
بهذه النظرة الموضوعية، ننطلق في تقدير جهود البلاغيين القدماء، ونفهم البلاغة القديمة، ولا نجري وراء المتعصبين ضدها ممن تغذّوا بالأفكار الأوربية، ويريدون منّا أن ننسى تلك الجهود العظيمة، ونلقي بالبلاغة القديمة وراء ظهورنا، لأنها بزعمهم تثير مشاكل عدة مثل المشابهة، والبناء المنطقي، والرؤية الثنائية، والجمود «١».
فالتشبيه- في رأي الدكتور نعيم اليافي- «قد جرّ على الفن الكثير من المساوئ أكثر مما جلب إليه الحسنات» «٢»، لأنه برأيه «أقرب إلى التعبير الإشاري المباشر منه إلى التعبير المصور» و «أقرب إلى التعبير النثري»، ولأنه أيضا «يبقي اللغة في المستوى العادي» و «أبنية

(١) مقدمة لدراسة الصورة الفنية: ص ٥٣ - ٦٦.
(٢) تطور الصورة الفنية في الشعر الحديث: د. نعيم الباقي ص ٥٤.


الصفحة التالية
Icon