مقصور في إدراكه على خاصة الناس «١٥».
ويركّز الجرجاني على الجانب العقلي في التشبيه من خلال تقسيمه له إلى ما يدرك بتأول، وما يدرك بدون تأول، وتفضيله «التمثيل» على التشبيه، لأنه يحتاج إلى جهد وتفكير عقلي لإدراكه، ويتضح ذلك أيضا في تعليله لجمال التشبيه القائم على الجمع بين المتباعدات، لأن الأشياء المشتركة في الجنس والنوع، تستغني بثبوت المشابهة فيها، أما الجمع بين المختلقات فإنه يقوم على مشابهة لها أصل في العقل ولكنها خفيفة لا يدركها إلا الخاصة «١٦».
لهذا اعتبر «التفصيلات» في التشبيه، تدل على العمق، وإدراك العلاقات الدقيقة، ومعرفة النادر الذي لا يدرك إلا من قبل الخاصة. يقول الجرجاني: «وجملة القول إنك متى زدت في التشبيه على مراعاة وصف واحد أو جهة واحدة، فقد دخلت في التفصيل والتركيب، وفتحت باب التفصيل، ثم تختلف المنازل في الفضل بحسب الصورة في استفادك قوة الاستقصاء، أو رضاك بالعفو دون الجهد» «١٧».
ويرجع الجرجاني إعجاب المتلقي بالتشبيه إلى الجمع بين المتباعدات فيه، لأنها تحدث في نفسه الدهشة والاستغراب والإعجاب يقول: «إذا استقريت التشبيهات وجدت التباعد بين الشيئين كلما كان أشد، كانت إلى النفوس أعجب، وكانت النفوس لها أطرب، وكان مكانها إلى أن تحدث الأريحية أقرب» «١٨».
ولكن إعجاب المتلقي بالتشبيه لا يرجع إلى الجمع بين المتباعدات فقط كما ذهب الجرجاني، وإنما يرجع إلى شعوره بالمعرفة الجديدة التي تزيده خبرة، وفهما لحقائق الأشياء أيضا.
وهكذا يجري القدماء في التشبيه وراء التطابق الشكلي، دون أن يتجاوزوه إلى التناسب النفسي فجاء إعجابهم ببيت ابن المعتر:
انظر إليه كزورق من فضة | قد أثقلته حمولة من عنبر |
(١٦) المصدر السابق: ص ١٠٨ - ١٠٩.
(١٧) المصدر السابق: ص ١٥٦.
(١٨) المصدر السابق: ص ١٠٩.