وحين كثرت الدراسات المعاصرة حول «الصورة» نجد أن الأدباء والنقاد كرّسوا جهودهم على دراسة «الصورة الشعرية»، ولم يهتموا بدراسة الصورة القرآنية، على الرغم من روعة بنائها الفني، وإيقاعها الفريد، وقوة تأثيرها في النفوس، فجاءت هذه الدراسات التنظيرية للصورة قاصرة وناقصة بسبب هذا الإهمال لظاهرة التصوير في التعبير القرآني.
وأستثني من هؤلاء الدارسين «سيد قطب» الذي خصص كتابا مستقلا لها عنوانه «التصوير الفني في القرآن» فكان بذلك أول من لفت الانتباه إلى ظاهرة الإعجاز في التصوير القرآني، ولكنه أيضا قصر دراسته على الجانب الفني دون الجانب الوظيفي لها، كما صرّح هو بذلك في مقدمة كتابه يقول: «إذ كان همي كله موجها إلى الجانب الفني الخالص» «١»، ويقول أيضا: «ولكننا إنما ننظر إليها هنا من الوجهة الفنية البحتة» «٢».
ولهذا رأيت ضرورة دراسة وظيفة الصورة أيضا، ولا سيما أن كتاب سيد قطب مضى على إصداره أكثر من نصف قرن تقريبا، وقد ظهرت في هذه الفترة دراسات نقدية قيّمة، يمكن الاستفادة منها في دراسة الصورة القرآنية.
إن الصورة الفنية في القرآن تخاطب الكينونة الإنسانية مجتمعة بما فيها من عقل وحس ووجدان، وتعزف على أوتار النفس المتقابلة لتقيم التوازن بينها حتى ترتسم صورة الإنسان «النموذج» بأبعاده الفكرية، لهذا كان لا بدّ من دراسة الصورة الفنية دراسة سياقية، تتجاوز الخصائص الفنية للمفردة القرآنية، والتركيب إلى دراستها في «النسق» القرآني كلّه.
وبذلك تتكامل دراسة الصورة من حيث «السياق والنسق» في تقديم المعنى المطلوب، والنموذج الإنساني المنشود، لتتحقق بذلك وحدة الصورة الفنية في وحدة النص.
ويبرز نظام العلاقات في هذه الدراسة السياقية بصورة جلية واضحة، وأعني به نظام العلاقات التعبيرية والتصويرية والفكرية، فهو سرّ الإعجاز في التعبير والتصوير، كما أنه سرّ الإعجاز في خلق الإنسان وتكوينه، وخلق الكون وتصميمه.
وقد حاولت في هذا الكتاب أن أوضح هذا النظام في التصوير الفني في القرآن،
(٢) المصدر نفسه: ص ٢٤٢.