فوزّعت الوظيفة للصورة القرآنية إلى قريبة، وبعيدة، وأكّدت على الترابط، وقوة التلاحم بينهما.
وقد استفدت في ذلك من حديث عبد القاهر الجرجاني عن «المعنى» و «معنى المعنى» «٣».
فالمعنى هو الذي يدرك من ظاهر اللفظ، و «معنى المعنى» هو المعنى الآخر المفهوم من المعنى الأول للفظ. وهكذا في وظائف الصورة أيضا، فالقريبة هي المفهومة من ظاهر التصوير الفني، والبعيدة هي ما ترمي إليه الصورة من الأفكار الدينية التي هي غاية التصوير الفني.
وليست هذه الوظائف مفصولة بعضها عن بعض، بل هي متلاحمة كتلاحم الروح بالجسم، ولكنّ الفصل بينها في هذا البحث، جاء لتسهيل عرض المادة العلمية.
وقد وزعت البحث على أبواب وفصول، فالباب الأول مخصص لدراسة طبيعة الصورة، ويعدّ هذا الباب مقدمة ضرورية لتحديد مفهوم الصورة، وعناصرها، وأنواعها، حتى يتضح منهج الدراسة، الذي سأسير عليه في هذا الكتاب.
فبدأت في الفصل الأول، بعرض مفهوم الصورة عند القدماء، والمؤثرات التي أثرت في تحديده، فرأيت أن البلاغيين والنقاد، تأثروا بالمفسرين واللغويين والفلاسفة، في مفهومهم للصورة، فراحوا يركزون على «الشكل» ويضعون له القواعد والمقاييس، دون أن يربطوا ذلك بالنفس أو المضمون، فقصروا الصورة على الجملة، ولم يتجاوزوها إلى دراسة السياق في النص كله، فجاءت آراؤهم جزئية لا تخرج عن هذا الإطار الجزئي المحدود، إلى استخلاص الخصائص الفنية العامة للصورة، ووظائفها
الكلية في نقل الفكر أو الرؤية.
ثم انتقلت إلى النقاد المعاصرين، لأحدّد مفهومهم لها، فرأيت تباينا كبيرا، وغموضا عجيبا، واضطرابا ملحوظا في تحديد مصطلح الصورة، وذلك لاختلاف المذاهب الأدبية، وانطلاق كل ناقد من مذهب معين في دراستها.
فحاولت جمع هذه الآراء في مفهوم موحّد للصورة يجمع بين القديم والحديث، سأسير عليه في دراستي.
وفي الفصل الثاني، قمت بتوضيح خصوصية الصورة القرآنية، وتميّزها بعناصر تشكيلها