- بين يدي الباب:
تميّزت الصورة الفنية في القرآن الكريم بطابعها الديني، في تشكيلها المعتمد على الفكر الإسلامي، وأنواعها التي تدور حول الصورة المركزية، لبيان حقيقة الألوهية، وآثارها في الحياة والكون والإنسان كما بيّنا في الباب الأول.
فالطابع الديني للصورة أكسبها خصوصية، وتميّزا في تشكيلها ووظيفتها أيضا، كما سنرى ذلك في هذا الباب الثاني. لأن القرآن الكريم نزل لهداية البشر، والتأثير فيهم، واتخذ الصورة وسيلة للتعبير عن أغراضه الدينية، وتحقيق التأثير في النفوس. والصورة هي وسيلة التعبير والتأثير في القرآن الكريم، لأنها تحوّل الموضوعات الدينية إلى مشاهد منظورة، وصور متحركة شاخصة، تنفذ إلى أعماق النفس البشرية من طرق شتى، عن طريق العقل والفكر، والحس والشعور، والخيال والوجدان.
وبذلك يتّحد الغرض الديني بالغرض الفني في القرآن، ليصبح الإعجاز في التصوير الفني كالإعجاز في الخلق والتكوين، والإعجاز في التشريع أيضا، لأن المصدر واحد في كل ذلك، وهو الله سبحانه وتعالى. والغاية الأساسية للصورة في القرآن، هي تحقيق الوظيفة الدينية، فهي محور وظائف الصورة التي تدور كلّها من حولها، ولا تخرج عن إطارها.
وأقصد بالوظيفة الدينية معناها الواسع الشامل، وليس معناها الضيّق المحدود، كما يتبادر للأذهان للوهلة الأولى، فالصورة القرآنية تحمل رؤية إسلامية للحياة والكون والإنسان، تجسّدها في صور ومشاهد، متفاعلة ومتناسقة مع السياق، لتحقيق الغرض الديني.
فالصورة القرآنية تجسّد هذا الفكر الإسلامي، ولا تنفصل عنه، فهي صورة حقيقية له،