قوله تعالى: إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ [التوبة: ١٨]، وأخرى فيها أجوبة عن إشكالات معقولية ونحوها، وأخرى من نظمه فيها أشياء فقهية وغيرها وغير ذلك.
وحج مرارا وجاور فى بعضها، وأقام بغزة والقدس ودمشق وغيرها من البلاد، وانتفع به فى غالب هذه النواحى، مع أنه لو استقر بموطن واحد كان أبلغ فى الانتفاع به وكذا انتفعوا به فى الفتاوى.
وكان إماما عالما علامة متفننا فصيحا مفوها بحاثا ذكيّا، آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، صحيح العقيدة شهما مترفعا على بنى الدنيا ونحوهم، مغلظا لهم فى القول، متواضعا مع الطلبة والفقراء، وربما يفرط فى ذلك وفى الانبساط معهم كبيرهم وصغيرهم، عالى الهمة باذلا جاهه مع من يقصده فى مهمة، ذا كرم بالمال والإطعام، يتكسب بالتجارة بنفسه وبغيره مستغنيا بذلك عن وظائف الفقهاء؛ ولذا قيل: إنه عرض عليه قضاء المقدس فامتنع، بل قيل:
إنه طلب لقضاء مصر فأبى، ولكن قيل أيضا إنه ولى قضاء الشام فلم يتم، قال السخاوى فى «الضوء اللامع»: وحكى لى البدر السعدى قاضى الحنابلة أنه بينما هو عنده فى درسه إذ حضر إليه الشرف الأنصارى بمربعة بمرتب العينى فى الجوالى بعد موته، وهو فى كل يوم دينار، فردها وقال: إن جقمق يروم يستعبدنى فى موافقته بهذا
المرتب، أو كما قال.
وابتنى بالخانقاه السرياقوسية مدرسة ووقف عليها ما كان فى حوزته من أملاك وجعل فائضها لأولاده.
وكان ابن حجر شيخ الإسلام العسقلانى كثير الإجلال والتبجيل له معتمدا عليه فى مذهبه.
قال السخاوى: سمعت العز قاضى الحنابلة يقول: إنه لم يخلف بعده فى مجموعه مثله، وقد اجتمعت به مرارا بالقاهرة ومكة وسمعت من فوائده وعلقت من نظمه أشياء ومن ذلك قوله:
وأفضل خلق الله بعد نبينا | عتيق ففاروق فعثمان مع على |
وسعد سعيد وابن عوف وطلحة | عبيدة منهم والزبير فتم لى |
وكانت فيه حدة مفرطة واستحالة فى أحواله وطرقه.
مات بمكة فى ضحى يوم الاثنين رابع جمادى الأولى سنة سبع وخمسين، وصلى عليه بعد العصر عند باب الكعبة، ونودى عليه من أعلى قبة زمزم ودفن بالمعلاة بمقبرة بنى النويرى، وكانت جنازته حافلة، رحمه الله وإيانا.