ولا يحمل نفسه ما لا تطيق مخافة الملل، وهذا يختلف باختلاف الناس.
وإذا جاء مجلس الشيخ فلم يجده انتظره ولا يفوت درسه إلا أن يخاف كراهة الشيخ لذلك، بأن يعلم من حاله الإقراء فى وقت بعينه فلا يشق عليه بطلب القراءة فى غيره. قال الخطيب: وإذا وجده نائما لا يستأذن عليه، بل يصبر حتى يستيقظ أو ينصرف والاختيار الصبر، كما كان ابن عباس والسلف يفعلون.
وإذا بحث المختصرات، انتقل إلى بحث أكبر منها مع المطالعة المتقنة، والعناية الدائمة المحكمة، وتعليق ما يراه من النفائس والغرائب وحل المشكلات مما يراه فى المطالعة أو يسمعه من الشيخ. ولا يحتقرن فائدة يراها أو يسمعها فى أى فن كانت؛ بل يبادر إلى كتابتها ثم يواظب على مطالعة ما كتبه، وليلازم حلقة الشيخ، وليعتن بكل الدروس، ويعلق عليها ما أمكن، فإن عجز اعتنى بالأهم، ولا يؤثر بنوبته، فإن الإيثار بالقرب مكروه، فإن رأى الشيخ المصلحة فى ذلك فى وقت فأشار به امتثل أمره.
وينبغى أن يرشد رفقته وغيرهم من الطلبة إلى مواطن الاشتغال والفائدة، ويذكر لهم ما استفاده على جهة النصيحة والمذاكرة، بإرشادهم يبارك له فى علمه، ويستنير قلبه، وتتأكد المسائل معه، مع جزيل ثواب الله- عز وجل- ومتى بخل بذلك كان بضده، فلا يثبت معه، وإن ثبت لم يثمر، ولا يحسد أحدا ولا يحتقره، ولا يعجب بفهمه.
وينبغى أن يطهر قلبه من الأدناس ليصلح بقبول العلم وحفظه واستثماره، ففي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلّه، ألا وهى القلب».
وقالوا: تطبيب القلب للعلم كتطبيب الأرض للزراعة وينبغى أن يقطع العلائق الشاغلة عن كمال الاجتهاد فى التحصيل، ويرضى باليسير من القوت، ويصبر على ضيق العيش.
قال الشافعى- رحمه الله تعالى-: لا يطلب أحد هذا العلم بالملك وعز النفس فيفلح، ولكن من طلبه بذل النفس، وضيق العيش، وخدمة العلماء أفلح. وقال- أيضا-: لا يدرك العلم إلا بالصبر على الذل. وقال- أيضا-: لا يصلح طلب العلم إلا لمفلس، فقيل: ولا الغنى المكفى؟ فقال: ولا الغنى المكفى.
وقال مالك بن أنس- رحمه الله-: لا يبلغ أحد من هذا العلم ما يريد حتى يضر به الفقر، ويؤثره على كل شىء.
وقال أبو حنيفة- رحمه الله-: يستعان على الفقه بجمع الهمم، ويستعان على حذف العلائق بأخذ اليسير عند الحاجة ولا يزيد.
وقال إبراهيم الآجرى: من طلب العلم بالفاقة ورث الفهم. وقال الخطيب البغدادى فى كتابه:
الجامع لآداب الراوى والسامع: يستحب للطالب أن يكون عزبا ما أمكنه؛ لئلا يقطعه الاشتغال بحقوق الزوجة، والاهتمام بالمعيشة، عن إكمال طلب العلم، واحتج بحديث: «خيركم بعد المائتين خفيف الحاذ»، وهو الذى لا أهل له ولا ولد. وعن إبراهيم بن أدهم- رحمه الله-:
من تعود أفخاذ النساء لم يفلح، يعنى: اشتغل بهن. وهذا فى غالب الناس لا الخواص. وعن سفيان الثورى: إذا تزوج الفقيه فقد ركب البحر، فإن ولد له فقد كسر به. وقال سفيان لرجل:
تزوجت؟ فقال: لا، قال: ما تدرى ما أنت فيه من العافية. وعن بشر الحافى- رحمه الله-:
«من لم يحتج إلى النساء فليتق الله ولا يألف أفخاذهن».
قلت: هذا كله موافق لمذهبنا، فإن مذهبنا أن من لم يحتج إلى النكاح استحب له تركه، وكذا إن
وإذا جاء مجلس الشيخ فلم يجده انتظره ولا يفوت درسه إلا أن يخاف كراهة الشيخ لذلك، بأن يعلم من حاله الإقراء فى وقت بعينه فلا يشق عليه بطلب القراءة فى غيره. قال الخطيب: وإذا وجده نائما لا يستأذن عليه، بل يصبر حتى يستيقظ أو ينصرف والاختيار الصبر، كما كان ابن عباس والسلف يفعلون.
وإذا بحث المختصرات، انتقل إلى بحث أكبر منها مع المطالعة المتقنة، والعناية الدائمة المحكمة، وتعليق ما يراه من النفائس والغرائب وحل المشكلات مما يراه فى المطالعة أو يسمعه من الشيخ. ولا يحتقرن فائدة يراها أو يسمعها فى أى فن كانت؛ بل يبادر إلى كتابتها ثم يواظب على مطالعة ما كتبه، وليلازم حلقة الشيخ، وليعتن بكل الدروس، ويعلق عليها ما أمكن، فإن عجز اعتنى بالأهم، ولا يؤثر بنوبته، فإن الإيثار بالقرب مكروه، فإن رأى الشيخ المصلحة فى ذلك فى وقت فأشار به امتثل أمره.
وينبغى أن يرشد رفقته وغيرهم من الطلبة إلى مواطن الاشتغال والفائدة، ويذكر لهم ما استفاده على جهة النصيحة والمذاكرة، بإرشادهم يبارك له فى علمه، ويستنير قلبه، وتتأكد المسائل معه، مع جزيل ثواب الله- عز وجل- ومتى بخل بذلك كان بضده، فلا يثبت معه، وإن ثبت لم يثمر، ولا يحسد أحدا ولا يحتقره، ولا يعجب بفهمه.
وينبغى أن يطهر قلبه من الأدناس ليصلح بقبول العلم وحفظه واستثماره، ففي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلّه، ألا وهى القلب».
وقالوا: تطبيب القلب للعلم كتطبيب الأرض للزراعة وينبغى أن يقطع العلائق الشاغلة عن كمال الاجتهاد فى التحصيل، ويرضى باليسير من القوت، ويصبر على ضيق العيش.
قال الشافعى- رحمه الله تعالى-: لا يطلب أحد هذا العلم بالملك وعز النفس فيفلح، ولكن من طلبه بذل النفس، وضيق العيش، وخدمة العلماء أفلح. وقال- أيضا-: لا يدرك العلم إلا بالصبر على الذل. وقال- أيضا-: لا يصلح طلب العلم إلا لمفلس، فقيل: ولا الغنى المكفى؟ فقال: ولا الغنى المكفى.
وقال مالك بن أنس- رحمه الله-: لا يبلغ أحد من هذا العلم ما يريد حتى يضر به الفقر، ويؤثره على كل شىء.
وقال أبو حنيفة- رحمه الله-: يستعان على الفقه بجمع الهمم، ويستعان على حذف العلائق بأخذ اليسير عند الحاجة ولا يزيد.
وقال إبراهيم الآجرى: من طلب العلم بالفاقة ورث الفهم. وقال الخطيب البغدادى فى كتابه:
الجامع لآداب الراوى والسامع: يستحب للطالب أن يكون عزبا ما أمكنه؛ لئلا يقطعه الاشتغال بحقوق الزوجة، والاهتمام بالمعيشة، عن إكمال طلب العلم، واحتج بحديث: «خيركم بعد المائتين خفيف الحاذ»، وهو الذى لا أهل له ولا ولد. وعن إبراهيم بن أدهم- رحمه الله-:
من تعود أفخاذ النساء لم يفلح، يعنى: اشتغل بهن. وهذا فى غالب الناس لا الخواص. وعن سفيان الثورى: إذا تزوج الفقيه فقد ركب البحر، فإن ولد له فقد كسر به. وقال سفيان لرجل:
تزوجت؟ فقال: لا، قال: ما تدرى ما أنت فيه من العافية. وعن بشر الحافى- رحمه الله-:
«من لم يحتج إلى النساء فليتق الله ولا يألف أفخاذهن».
قلت: هذا كله موافق لمذهبنا، فإن مذهبنا أن من لم يحتج إلى النكاح استحب له تركه، وكذا إن