فهذه نبذة من الآداب لمن اشتغل بهذا (١) الطريق لا يستغنى عن تذكرها؛ لتكون معينة على تحصيل المرام والخروج إلى النور (٢) من الظلام، والله تعالى هو المنان ذو الجود والإكرام (٣).
- نثرا ونظما، ورويناها فى كتاب الخطيب: الجامع لأخلاق الراوى والسامع منها عن الزهرى: إياك وغلول الكتب؛ وهو حبسها عن أصحابها، وعن الفضيل: ليس من أفعال أهل الورع ولا من أفعال الحكماء أن يأخذ سماع رجل وكتابه، فيحبسه عنه، ومن فعل ذلك فقد ظلم نفسه. وقال الخطيب:
وبسبب حبسها امتنع غير واحد من إعارتها، ثم روى فى ذلك جملا عن السلف، وأنشد فيه أشياء كثيرة.
والمختار استحباب الإعارة لمن لا ضرر عليه فى ذلك؛ لأنه إعانة على العلم مع ما فى مطلق العارية من الفضل، وروينا عن وكيع: أول بركة الحديث إعارة الكتب. وعن سفيان الثورى: من بخل بالعلم ابتلى بإحدى ثلاث: أن ينساه، أو يموت ولا ينتفع به، أو تذهب كتبه.
(١) فى م، ص: بهذه.
(٢) فى م: والدخول فى النور.
(٣) اقتصر المصنف رحمه الله تعالى فى هذا الفصل على بيان ما يتعلق بطالب العلم من آداب. وإكمالا للفائدة نذكر فيما يلى ما يتعلق بالمعلم نفسه من آداب، وقد عقد النووى فى مقدمة المجموع بابا خاصّا بذلك جاء فيه ما نصه: هذا الباب واسع جدّا، وقد جمعت فيه نفائس كثيرة لا يحتمل هذا الكتاب عشرها، فأذكر فيه- إن شاء الله تعالى- نبذا منه، فمن آدابه: أدبه فى نفسه، وذلك فى أمور:
منها أن يقصد بتعليمه وجه الله تعالى، ولا يقصد توصلا إلى غرض دنيوى: كتحصيل مال، أو جاه، أو شهرة، أو سمعة، أو تميز عن الأنداد، أو تكثر بالمشتغلين عليه، أو المختلفين إليه، أو نحو ذلك، ولا يشين علمه وتعليمه بشيء من الطمع فى رفق يحصل له من مشتغل عليه من خدمة، أو مال، أو نحوهما، وإن قل، ولو كان على صورة الهدية التى لولا اشتغاله عليه لما أهداها إليه.
وقد صح عن الشافعى- رحمه الله تعالى- أنه قال: وددت أن الخلق تعلموا هذا العلم على ألا ينسب إلى حرف منه وقال- رحمه الله تعالى-: ما ناظرت أحدا قط على الغلبة، وددت إذا ناظرت أحدا أن يظهر الحق على يديه وقال: ما كلمت أحدا قط إلا وددت أن يوفق، ويسدد، ويعان، ويكون عليه رعاية من الله وحفظ. وعن أبى يوسف- رحمه الله تعالى- قال: يا قوم أريدوا بعلمكم الله فإنى لم أجلس مجلسا قط أنوى فيه أن أتواضع إلا لم أقم حتى أعلوهم، ولم أجلس مجلسا قط أنوى فيه أن أعلوهم إلا لم أقم حتى أفتضح.
ومنها: أن يتخلق بالمحاسن التى ورد الشرع بها، وحث عليها، والخلال الحميدة، والشيم المرضية التى أرشد إليها من التزهد فى الدنيا، والتقلل منها، وعدم المبالاة بفواتها، والسخاء، والجود، ومكارم الأخلاق، وطلاقة الوجه من غير خروج إلى حد الخلاعة، والحلم، والصبر، والتنزه عن دنىء الاكتساب، وملازمة الورع، والخشوع، والسكينة، والوقار، والتواضع، والخضوع، واجتناب الضحك والإكثار من المزاح، وملازمة الآداب الشرعية الظاهرة والخفية:
كالتنظيف بإزالة الأوساخ، وتنظيف الإبط، وإزالة الروائح الكريهة، واجتناب الروائح المكروهة، وتسريح اللحية.
ومنها: الحذر من الحسد، والرياء، والإعجاب، واحتقار الناس وإن كانوا دونه بدرجات، وهذه أدواء وأمراض يبتلى بها كثيرون من أصحاب الأنفس الخسيسات، وطريقه فى نفى الحسد أن يعلم أن حكمة الله- تعالى- اقتضت جعل هذا الفضل فى هذا الإنسان؛ فلا يعترض، ولا يكره ما اقتضته
وبسبب حبسها امتنع غير واحد من إعارتها، ثم روى فى ذلك جملا عن السلف، وأنشد فيه أشياء كثيرة.
والمختار استحباب الإعارة لمن لا ضرر عليه فى ذلك؛ لأنه إعانة على العلم مع ما فى مطلق العارية من الفضل، وروينا عن وكيع: أول بركة الحديث إعارة الكتب. وعن سفيان الثورى: من بخل بالعلم ابتلى بإحدى ثلاث: أن ينساه، أو يموت ولا ينتفع به، أو تذهب كتبه.
(١) فى م، ص: بهذه.
(٢) فى م: والدخول فى النور.
(٣) اقتصر المصنف رحمه الله تعالى فى هذا الفصل على بيان ما يتعلق بطالب العلم من آداب. وإكمالا للفائدة نذكر فيما يلى ما يتعلق بالمعلم نفسه من آداب، وقد عقد النووى فى مقدمة المجموع بابا خاصّا بذلك جاء فيه ما نصه: هذا الباب واسع جدّا، وقد جمعت فيه نفائس كثيرة لا يحتمل هذا الكتاب عشرها، فأذكر فيه- إن شاء الله تعالى- نبذا منه، فمن آدابه: أدبه فى نفسه، وذلك فى أمور:
منها أن يقصد بتعليمه وجه الله تعالى، ولا يقصد توصلا إلى غرض دنيوى: كتحصيل مال، أو جاه، أو شهرة، أو سمعة، أو تميز عن الأنداد، أو تكثر بالمشتغلين عليه، أو المختلفين إليه، أو نحو ذلك، ولا يشين علمه وتعليمه بشيء من الطمع فى رفق يحصل له من مشتغل عليه من خدمة، أو مال، أو نحوهما، وإن قل، ولو كان على صورة الهدية التى لولا اشتغاله عليه لما أهداها إليه.
وقد صح عن الشافعى- رحمه الله تعالى- أنه قال: وددت أن الخلق تعلموا هذا العلم على ألا ينسب إلى حرف منه وقال- رحمه الله تعالى-: ما ناظرت أحدا قط على الغلبة، وددت إذا ناظرت أحدا أن يظهر الحق على يديه وقال: ما كلمت أحدا قط إلا وددت أن يوفق، ويسدد، ويعان، ويكون عليه رعاية من الله وحفظ. وعن أبى يوسف- رحمه الله تعالى- قال: يا قوم أريدوا بعلمكم الله فإنى لم أجلس مجلسا قط أنوى فيه أن أتواضع إلا لم أقم حتى أعلوهم، ولم أجلس مجلسا قط أنوى فيه أن أعلوهم إلا لم أقم حتى أفتضح.
ومنها: أن يتخلق بالمحاسن التى ورد الشرع بها، وحث عليها، والخلال الحميدة، والشيم المرضية التى أرشد إليها من التزهد فى الدنيا، والتقلل منها، وعدم المبالاة بفواتها، والسخاء، والجود، ومكارم الأخلاق، وطلاقة الوجه من غير خروج إلى حد الخلاعة، والحلم، والصبر، والتنزه عن دنىء الاكتساب، وملازمة الورع، والخشوع، والسكينة، والوقار، والتواضع، والخضوع، واجتناب الضحك والإكثار من المزاح، وملازمة الآداب الشرعية الظاهرة والخفية:
كالتنظيف بإزالة الأوساخ، وتنظيف الإبط، وإزالة الروائح الكريهة، واجتناب الروائح المكروهة، وتسريح اللحية.
ومنها: الحذر من الحسد، والرياء، والإعجاب، واحتقار الناس وإن كانوا دونه بدرجات، وهذه أدواء وأمراض يبتلى بها كثيرون من أصحاب الأنفس الخسيسات، وطريقه فى نفى الحسد أن يعلم أن حكمة الله- تعالى- اقتضت جعل هذا الفضل فى هذا الإنسان؛ فلا يعترض، ولا يكره ما اقتضته