وينبغى أن يرغبه فى العلم ويذكره بفضائله وفضائل العلماء، وأنهم ورثة الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم، ولا رتبة فى الوجوه أعلى من هذه.
وينبغى أن يحنو عليه ويعتنى بمصالحه كاعتنائه بمصالح نفسه وولده، ويجريه مجرى ولده فى الشفقة عليه، والاهتمام بمصالحه، والصبر على جفائه وسوء أدبه، ويعذره فى سوء أدب، وجفوة تعرض منه فى بعض الأحيان، فإن الإنسان معرض للنقائص.
وينبغى أن يحب له ما يحب لنفسه من الخير، ويكره له ما يكرهه لنفسه من الشر؛ ففي الصحيحين: «لا يؤمن أحدكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه». وعن ابن عباس- رضى الله عنهما- قال: أكرم الناس على، جليسى الذى يتخطى الناس، حتى يجلس إلى، لو استطعت ألا يقع الذباب على وجهه لفعلت وفى رواية: إن الذباب يقع عليه فيؤذينى.
وينبغى أن يكون سمحا يبذل ما حصله من العلم سهلا بإلقائه إلى مبتغيه، متلطفا فى إفادته طالبيه، مع رفق ونصيحة وإرشاد إلى المهمات، وتحريض على حفظ ما يبذله لهم من الفوائد النفيسات، ولا يدخر عنهم من أنواع العلم شيئا يحتاجون إليه إذا كان الطالب أهلا لذلك، ولا يلقى إليه شيئا لم يتأهل له؛ لئلا يفسد عليه حاله، فلو سأله المتعلم عن ذلك لم يجبه، ويعرفه أن ذلك يضره ولا ينفعه، وأنه لم يمنعه ذلك شحا، بل شفقة ولطفا.
وينبغى ألا يتعظم على المتعلمين، بل يلين لهم ويتواضع، فقد أمر بالتواضع لآحاد الناس، قال الله- تعالى-: وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ [الحجر: ٨٨]، وعن عياض بن حمار- رضى الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ «إنّ الله أوحى إلى أن تواضعوا». رواه مسلم، وعن أبى هريرة- رضى الله عنه- أن رسول الله ﷺ قال: «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلّا عزّا، وما تواضع أحد لله إلّا رفعه الله». رواه مسلم. فهذا فى التواضع لمطلق الناس، فكيف بهؤلاء الذين هم كأولاده مع ما هم عليه من الملازمة لطلب العلم، ومع ما لهم عليه من حق الصحبة، وترددهم إليه، واعتمادهم عليه؟ وفى الحديث عن النبى ﷺ «لينوا لمن تعلمون ولمن تتعلّمون منه». وعن الفضيل ابن عياض- رحمه الله-: إن الله- عز وجل- يحب العالم المتواضع، ويبغض العالم الجبار، ومن تواضع لله- تعالى- ورثه الحكمة.
وينبغى أن يكون حريصا على تعليمهم، مهتما به مؤثرا له على حوائج نفسه ومصالحه ما لم تكن ضرورة، ويرحب بهم عند إقبالهم إليه، لحديث أبى سعيد السابق، ويظهر لهم البشر وطلاقة الوجه، ويحسن إليهم بعلمه وماله وجاهه بحسب التيسير، ولا يخاطب الفاضل منهم باسمه بل بكنيته ونحوها؛ ففي الحديث عن عائشة- رضى الله عنها-: «كان رسول الله ﷺ يكنّى أصحابه إكراما لهم
وتسنية لأمورهم»
.
وينبغى أن يتفقدهم، ويسأل عمن غاب منهم.
وينبغى أن يكون باذلا وسعه فى تفهيمهم، وتقريب الفائدة إلى أذهانهم، حريصا على هدايتهم، ويفهم كل واحد بحسب فهمه وحفظه فلا يعطيه ما لا يحتمله، ولا يقصر به عما يحتمله بلا مشقة، ويخاطب كل واحد على قدر درجته، وبحسب فهمه وهمته، فيكتفى بالإشارة لمن يفهمها فهما محققا، ويوضح العبارة لغيره، ويكررها لمن لا يحفظها إلا بتكرار، ويذكر الأحكام موضحة بالأمثلة من غير دليل لمن لا يحفظ له الدليل، فإن جهل دليل بعضها ذكره له، ويذكر الدلائل لمحتملها، ويذكر: هذا ما يبنى، على هذه المسألة وما يشبهها، وحكمه حكمها وما يقاربها، وهو مخالف لها، ويذكر الفرق بينهما، ويذكر ما يرد عليها وجوابه إن أمكنه. ويبين الدليل الضعيف؛ لئلا يغتر به فيقول: استدلوا بكذا، وهو ضعيف لكذا، ويبين الدليل المعتمد ليعتمد،


الصفحة التالية
Icon