عليه ذاكرا عالما بما يقرأ عليه جاز الأخذ عنه وإلا حرم.
وليحذر الإقراء بما يحسن رأيا أو وجها أو لغة دون رواية، ولقد أوضح ابن مجاهد (١) غاية الإيضاح حيث قال: لا تغتر بكل مقرئ؛ إذ الناس طبقات، فمنهم من حفظ الآية والآيتين والسورة والسورتين ولا علم له غير ذلك، فلا تؤخذ (٢) عنه القراءة (٣)، ولا تنقل (٤) عنه الرواية، ومنهم من حفظ الروايات ولم يعلم معانيها ولا استنباطها من لغات (٥) العرب [ونحوها] (٦)، فلا يؤخذ عنه؛ لأنه ربما يصحف، ومنهم من علم العربية ولا يتبع المشايخ والأثر فلا تنقل (٧) عنه الرواية، ومنهم من فهم التلاوة وعلم الرواية وأخذ حظّا من الدراية من النحو واللغة فتؤخذ (٨) عنه الرواية ويقصد للقراءة، وليس الشرط أن يجتمع فيه جميع العلوم؛ إذ الشريعة واسعة والعمر قصير. انتهى [مختصرا] (٩).
ويتأكد فى حقه تحصيل طرف صالح من أحوال الرجال والأسانيد، وهو من أهم ما يحتاج إليه، وقد وهم كثير لذلك فأسقطوا رجالا وسمّوا آخرين بغير أسمائهم وصحفوا أسماء رجال.
ويتأكد أيضا ألا يخلى نفسه من الخلال (١٠) الحميدة: من التقلل من الدنيا والزهد فيها، وعدم المبالاة بها وبأهلها، والسخاء والصبر والحلم ومكارم الأخلاق، وطلاقة الوجه، لكن لا يخرج إلى حد الخلاعة، وملازمة الورع والسكينة والتواضع.

(١) هو أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد التميمى الحافظ الأستاذ أبو بكر بن مجاهد البغدادى شيخ الصنعة وأول من سبع السبعة، ولد سنة خمس وأربعين ومائتين بسوق العطش ببغداد، قرأ على عبد الرحمن بن عبدوس عشرين ختمة وعلى قنبل المكى وعبد الله بن كثير المؤدب صاحب أبى أيوب الخياط صاحب اليزيدى، وروى الحروف سماعا عن إسحاق بن أحمد الخزاعى ومحمد ابن عبد الرحيم الأصفهانى ومحمد بن إسحاق أبى ربيعة ومحمد بن يحيى الكسائى الصغير وأحمد ابن يحيى بن ثعلب وموسى بن إسحاق الأنصارى وأحمد بن فرح ومحمد بن الفرج الحرانى. وبعد صيته واشتهر أمره، وفاق نظراءه مع الدين والحفظ والخير ولا أعلم أحدا من شيوخ القراءات أكثر تلاميذ منه ولا بلغنا ازدحام الطلبة على أحد كازدحامهم عليه حكى ابن الأخرم أنه وصل إلى بغداد فرأى فى حلقة ابن مجاهد نحوا من ثلاثمائة مصدر، وقال على بن عمر المقرئ: كان ابن مجاهد له فى حلقته أربعة وثمانون خليفة يأخذون على الناس، توفى يوم الأربعاء وقت الظهر فى العشرين من شعبان سنة أربع وعشرين وثلاثمائة رحمه الله تعالى. ينظر: غاية النهاية (١/ ١٣٩، ١٤٠، ١٤٢).
(٢) فى ز: فلا يؤخذ.
(٣) فى ص: القراءة عنه.
(٤) فى ز: ولا ينقل.
(٥) فى م: لغة.
(٦) سقط فى م.
(٧) فى ز: فلا ينقل.
(٨) فى م، ز: فيؤخذ.
(٩) زيادة من د، وسقط فى م.
(١٠) فى م، د: الخصال.


الصفحة التالية
Icon