ولذلك شق معنى هذه الآية على الصحابة، وتكلموا في شأنه مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فطلب منهم السمع والطاعة والاستسلام ولو كان الحكم شاقاً يكاد لا يطاق، ففعلوا. ولما علم الله ذلك منهم، أنعم عليهم بنسخ هذا الحكم الشاق، وجاء هذا النسخ في كلام واضح صريح: ﴿لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾.
﴿لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ إذن ناسخة لمحاسبة العبد على وساوسه وخطراته وخيالاته، لأن ذلك ليس في وسع العبد وقدرته وطاقته، فهذه الآية خاصةٌ في معناها، وهذا الخصوص مأخوذٌ من سياقها ومن الإِلمام بملابسة نزولها. وطالما أن ذلك الحكم منسوخٌ فإن الله لم يكلفنا به، أما إذا كلفنا الله بحكمٍ شرعيٍّ، ولم ينسخه، فإن هذا الحكم في وسعنا وطاقتنا، وإن الله يعلم أن بمقدورنا القيام به، ولذلك لم ينسخه.
إذن هذه الآية لا يجوز أن نطلقها على الأحكام الشرعية التي كلَّفنا الله بها ولم ينسخ هذا التكليف، ولا يجوز أن نعطِّل بها هذه الأحكام ونلغيها، ونجعل الالتزام بها خاضعاً للطاقة الضعيفة، والهمَّة المريضة، والوسع الكسول.
﴿لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾، معناها من خلال المفهوم القرآني: إن الله سبحانه عادلٌ في أحكامه في عباده، وإنه لا يكلِّفهم بما لا يطيقون، ولا يطالبهم بالمستحيل، ولا يريد من التشريعات إرهاق عباده، أو إيقاعهم في العسر والحرج والإثم والتقصير، فإن الله سبحانه ﴿وما جَعَلَ عَلَيْكُمْ في الدِّينِ مِنْ حَرَج﴾، و ﴿يُريدُ اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلا يُريدُ بِكُمُ العُسْر﴾، وإن الله عليمٌ حكيم، لطيف خبير، يعلم طاقة النفس الإنسانية ومقدار تحملها


الصفحة التالية
Icon