وعندها يمسك عن الطعام، ولهذا تناول خيطين حقيقيين ووضعهما تحت الوسادة وصار ينظر إليهما.
ولقد صحح الرسول ﷺ لعدي بن حاتم فهمه للآية، وبين له أن المراد هو سواد الليل وبياض النهار، وليس حقيقة الخيطين. ومزج هذا التصحيح والتصويب بدعابةٍ لطيفةٍ فكهة، محبَّبةٍ إلى نفس السامع لها من رسول الله ﷺ عندما قال له: " إن وسادك لعريض " و " إنك لعريض القفا " وهذان مثلان يضربان كناية عن غفلة السامع وسذاجته " وعبطه ". ولا يراد الظاهر من هذين المثلين، ولا أن يُذَم عديٌ، أو يوصف بالبلاهة والسذاجة، فإنه مبرأٌ من ذلك، وإنما يراد منهما الدعابة والتفكه.
وقد يتساءل متسائل: كيف غابت هذه الاستعارة عن عدي بن حاتم، ولم يفطن لها، وهو العربي الذكي الفصيح البليغ؟؟.
بعض الناس قد يشكك في فطنة عديٍّ وبلاغته وفصاحته، ونعلم أنه فوق هذا التشكيك.
وبعض الناس قد يشكك في صحة الواقعة، ولا يسلم بأنها وقعت، لأنها تتعارض مع فطنة عدي وفصاحته المتفق عليها.
من هؤلاء فخر الدين الرازي، الذي استبعد هذه الواقعة، بقوله: " وأما ما حُكِيَ عن عدي بن حاتم فبعيد، لأنه يبعد أن يخفى على مثله هذه الاستعارة مع قوله تعالى: ﴿مِنَ الفَجْرِ﴾ ".
ونحن نعجب لرجل مثل الرازي في علمه وجلالته، كيف يقع في هذا الخطأ، ويستبعد حادثةً وردت بحديثٍ صحيح، وكيف يُجَوِّز لنفسه أن يرد رواية في الصحيحين؟ لكن لكل قلمٍ زلة، ولكل جوادٍ كبوة.