فدعاه ذات يوم فأدخله معهم. قال ابن عباس: فما رُئيت أنه دعاني يوماً إلا ليريهم. قال: ما تقولون في قول الله عز وجل: ﴿إِذا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالفَتْح﴾، فقال بعضهم: أُمرنا بأن نحمد الله ونستغفره، إذا جاء نصرنا، وفَتَح علينا. وسكت بعضهم فلم يقل شيئاً.
فقال لي: أكذاك تقول يا ابن عباس؟ قلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أَجَلُ رسولِ الله ﷺ أعلمه له. فقال: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ﴾ فذلك علامة أجلك: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾.
فقال عمر: ما أعلم إلا ما تقول.
إن ابن عباس من خلال هذه الحادثة، يتعمق النظر في السورة، ولا يقف عند ظاهر ألفاظها، ولم يكتف بالمعنى الظاهري، الذي يدركه كل من نظر فيها.
إنها تنعي إلى رسول الله ﷺ نفسه، إن عمره في هذه الدنيا مرهونٌ برسالته، ووقفٌ على دعوته. وطالما أن رسالته قد تمَّت، وأن دعوته قد انتصرت، وأنه جاء نصر الله والفتح، وصار الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، فقد انتهت مهمته ورسالته عليه السلام، وبانتهائها ينتهي عمره - ﷺ - في هذه الحياة.
وقد وافق عمرُ ابنَ عباس على هذا الاستنتاج اللطيف من الآية، واعتمد كلامه حولها بقوله: " ما أعلم منها إلا ما تقول ".
وصدق القائل بشأن الوقوف على المعاني في التفسير: إنها مثل الصيد، وإن المفسرين مثل الصيادين. فمنهم من يصيد عن قُرب، ومنهم من يصيد عن بُعد، ومنهم من يصيد العادي، ومنهم من يصيد الثمين.