هذا فهم خاطئ لمعنى الآية، بل قَلْبٌ له، وإتيانٌ بعكسه. وفي هذه المناسبة نقول:
قد يقعد بعض المسلمين عن أداء الواجب، وقد يفرِّطون في بعض الأوامر، وقد يرتكبون بعض المحظورات، وهذا حرام، وفيه إثمٌ ووعيدٌ بالعذاب. لكن الذي يكون إثمه مضاعفاً، وجريمته مزدوجة، وعذابه شديداً أليماً يوم القيامة، هو ذلك الذي يفلسف قعوده عن أداء الواجب، ويبرر مخالفته للأوامر، ويتبجح في ارتكاب الحرام، و " يتعالم " على الإِسلام والقرآن، ويسند مخالفته بآياتٍ من القرآن يحرف معناها، ويلوي أعناقها. إنه يجمع بين الجريمتين: جريمة المخالفة وجريمة التحريف، ويجني إثمين: إثم الخطأ وإثم الافتراء.
ونقدم فيما يلي طائفة من أقوال السلف الصالح في معنى الآية، ونُتْبع ذلك بنظراتٍ لنا فيها بعون الله.
أخرج أصحاب السنن عن قيس بن أبي حازم قال: صعد أبو بكر منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه. ثم قال: أيها الناس: إنكم تقرأون هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾. وإنكم تضعونها على غير موضعها. وإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: " إن الناس إذا رأوا المنكر، ولم يغيِّروه أوشك أن يعمَّهم الله بعقاب ".
وفي روايةٍ أخرى أخرجها ابن جرير الطبري، عن خطبة أبي بكر قال: أيها الناس: إنكم لتتلون آية من كتاب الله، وتَعُدّونها رخصة، واللهِ ما أنزل الله في كتابه أشدّ منها: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾. والله لتأمُرنَّ بالمعروف ولتنهَونَّ عن المنكر أو ليعمَّنَكم الله منه بعقاب.