جرأتهم وشجاعتهم، ويواجهونهم بهذه الآية، ويجعلونهم ممن يخالفون معناها، إنهم بإقدامهم وصدعهم وجرأتهم يلقون بأيديهم إلى التهلكة. وكأنهم يريدون أن يقولوا لهم: نحن القاعدون ملتزمون بمعنى الآية، ولهذا فنحن على حق ومثابون عند الله. أما أنتم فمتهوِّرون مخالفون للآية، ولهذا فأنتم على خطأ، وآثمون عند الله.
عند هؤلاء المحرفين القاعدين الساكتين:
كل من يكون رجلاً عزيزاً أبيّاً كريماً، لا يقبل الضيم، ولا يسكت على أذى، ولا يرضى بالذل والهوان، ويقف مواقف الرجال في حياته، فهو متهور يلقي بنفسه إلى التهلكة.
وكل من يصدع بالحق ويجهر بالرأي، وينقد الخطأ، ويهاجم الباطل وأهله، فهو متهور يلقي بنفسه إلى التهلكة.
وكل من يرفض النفاق، والمدح والثناء على من لا يستحقون، فهو متهور يلقي بنفسه إلى التهلكة، وكل من يكون جريئاً واضحاً فصيحاً شجاعاً بليغاً داعيةً متكلماً محاضراً آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر مصلحاً، فهو متهور يلقي بنفسه إلى التهلكة.
أما من كان عكس هؤلاء: يسكت على الذل، ويقبل بالهوان، ويتعايش مع كل وضعٍ وظرف، يتجرَّع كؤوس الإذلال والقهر، ويحرص على وظيفته ودخله وأمواله وأعماله، يجبن عن الكلام، ويخاف من التصريح بالرأي، ويخشى الإفصاح عن المبدأ، ويرفض أن يَنقُد أو يصحح أو يواجه أو يبيّن أو يدعو أو يتكلم. هذا رجلٌ عاقلٌ فطنٌ ذكي، وهو في هذا لا يلقي بنفسه إلى التهلكة، بل هو ملتزمٌ بمعناها، مطبِّقٌ لدلالتها.
فهل الآية لهؤلاء؟ وهل هي " تبرير " لمواقفهم، و " فتوى " لهم في جواز أعمالهم؟.