ابن كثير من مخالفته لقواعد الشريعة، لكن يمكن أنْ يُقال: إنَّ الله تعالى راعى حق السَّيد فغلَّظَ العقوبة على الأَمَة حال كونها بكراً؛ لأنَّ في زناها إيذاء لسّيدها، واعتداء على حقِّه بالتمتع بها، بخلاف ما بَعْدَ زواجها فإنَّ الحقَّ لِزَوْجِهَا والذي غالباً ما يكون في رَبقَة الرِّقِّ مثلها، والشريعة الإسلامية تراعي حق الحرِّ أكثر من مراعاتها لحق الرَّقِيقِ.
إلا أني لا أرتضي هذا المذهب، على الرغم من وجاهته؛ لأنَّ ما ذكرتُه من تعليلٍ لم يأتِ به نصٌ حتى يُصار إليه؛ ولأنَّ الأحاديث الواردة في جلد الأَمَة جاءت مطلقة، فلم تَنُص على ذكر مائة جلدة، فيجب حملها على المقيد وهو ما جاء في الآية الكريمة، وسترى مزيدَ بيانٍ لرأيي في هذه المسألة في مبحث الترجيح، إن شاء الله تعالى.
القول الرابع: أنَّ الإحصان في الآية المراد به الإسلام؛ فيكون منطوق الآية ومفهومها دالاً على إيجاب الحَدّ على الأَمَة بَعْدَ إسلامها لا قبله، وأما الإحصان في الحديث فالمراد به التزويج.
وهذا رأي: الشافعي (١)، وابن العربي (٢)، واختيار الحافظ ابن حجر (٣).
ولم يُبَيِّن هؤلاء الحكم المترتب على دلالتي المنطوق والمفهوم للحديث.
ويرد على قولهم:
١ - أنْ لا دليل على التفريق بين الآية والحديث في معنى الإحصان.
٢ - ويلزم من مفهوم الحديث على قولهم هذا أنْ لا حَدَّ على الأَمَة إذا كانت مُزوجة؛ لإعمالهم منطوق الآية في المسلمة عموماً؛ فيكون منطوق الحديث مُخَصِّصَاً لهذا العموم، وهذا القول لا يرتضونه ولا يقولون به، فدل على ضعف رأيهم.
_________
(١) الرسالة، للشافعي (١/ ١٢٥).
(٢) أحكام القرآن، لابن العربي (١/ ٥١٧ - ٥١٨).
(٣) فتح الباري، لابن حجر (١٢/ ١٦٧).