الجَنَّةُ والنَّارُ" فذكر الحديث إلى أَنْ قال: "فَأَمَّا النَّارُ فَلاَ تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ رِجْلَهُ فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ. فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ وَيُزْوَى (١) بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَلاَ يَظْلِمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا، وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنْشِئُ لَهَا خَلْقًا". (٢)
نقل الحافظ ابن حجر هذا المذهب: عن أبي الحسن القابسي (٣)، وشيخه البلقيني (٤). (٥)
وممن جزم بوقوع الغلط في الحديث: شيخ الإسلام ابن تيمية (٦)، وابن القيم (٧)، والحافظ ابن كثير (٨)، وابن الوزير اليماني (٩). (١٠)
قال أبو الحسن القابسي: "المعروف في هذا الموضع أنَّ الله ينشئ للجنة خلقاً؛ وأما النار فيضع فيها قدمه، ولا أعلم في شيء من الأحاديث أنه ينشئ للنار إلا هذا". اهـ (١١)
وقال ابن القيم: "وأما اللفظ الذي وقع في صحيح البخاري في حديث أبي هريرة: "وَإِنَّهُ يُنْشِئُ لِلنَّارِ مَنْ يَشَاءُ، فَيُلْقَوْنَ فِيهَا فَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ"، فغلط من بعض الرواة، انقلب عليه لفظه، والروايات الصحيحة ونص القرآن يَرُدُّهُ، فإن الله سبحانه أخبر أنه يملأ جهنم من إبليس وأتباعه، وأنه لا يُعذِّب إلا من قامت عليه حجته، وكذَّب رسله، قال تعالى: (كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ
_________
(١) يُزْوَى: أي يُجمع ويُضم بعضها إلى بعض. انظر: مشارق الأنوار، للقاضي عياض (١/ ٣١٣).
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب التفسير، حديث (٤٨٥٠)، ومسلم في صحيحه، في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، حديث (٢٨٤٧).
(٣) هو علي بن محمد بن خلف المعافري القيرواني، أبو الحسن ابن القابسي: عالم المالكية بإفريقية في عصره. كان حافظاً للحديث وعلله ورجاله، فقيهاً أصولياً من أهل القيروان. رحل إلى المشرق
(سنة ٣٥٢ هـ) وعاد إلى القيروان سنة (٣٥٧ هـ) وتولى الفتيا وتوفي بها سنة (٤٠٣هـ)، له تصانيف، منها (الممهد) وهو كبير جداً، في الفقه وأحكام الديانات، و (ملخص الموطأ)، وغيرهما. انظر: الأعلام، للزركلي (٤/ ٣٢٦).
(٤) هو: عمر بن رسلان بن نصير بن صالح الكناني، العسقلاني الأصل، ثم البلقيني، المصري، الشافعي، أبو حفص، سراج الدين: مجتهد، حافظ للحديث، ومن العلماء المبرزين. ولد في بلقينة (من غربية مصر) وتعلم بالقاهرة. وولي قضاء الشام، من كتبه "التدريب" في الفقه الشافعي، و "تصحيح المنهاج"، وغيرهما، (ت: ٨٠٥ هـ). انظر: الأعلام، للزركلي (٥/ ٤٦).
(٥) انظر: فتح الباري، لابن حجر (١٣/ ٤٤٦).
(٦) مقدمة في أصول التفسير، لابن تيمية، ص (٨٩).
(٧) حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (١٢/ ٣٢٢)، وحادي الأرواح (١/ ٢٥٨، ٢٧٨)، وأحكام أهل الذمة (٢/ ١١٠٤ - ١١٠٨)، وزاد المعاد (١/ ٢٢٦)، وطريق الهجرتين، ص (٥٧٧).
(٨) تفسير ابن كثير (٣/ ٣١).
(٩) هو: محمد بن إبراهيم بن علي بن المرتضى بن المفضل الحسني القاسمي، أبو عبد الله، عز الدين، من آل الوزير، مجتهد باحث، من أعيان اليمن، ولد في هجرة الظهران (من شطب: أحد جبال اليمن) وتعلم بصنعاء وصعدة ومكة، وأقبل في أواخر أيامه على العبادة. قال الشوكاني: "تمشيخ وتوحش في الفلوات وانقطع عن الناس"، ومات بصنعاء، من مؤلفاته: "إيثار الحق على الخلق"، و "العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم"، ومختصره "الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم"، وغيرها. (ت: ٨٤٠ هـ). انظر: الأعلام، للزركلي (٥/ ٣٠٠).
(١٠) إيثار الحق على الخلق، لابن الوزير اليماني (١/ ٢١٧ - ٢٢١).
(١١) فتح الباري، لابن حجر (١٣/ ٤٤٦).