ففيه نظر. (١)
وممن ذهب إلى قبول الرواية مطلقاً: القاضي عياض، والكرماني.
قال القاضي عياض في تعليقه على الرواية: "قال بعض المتعقبين: هذا وهم، والمعروف في الإنشاء إنما هو للجنة. قال القاضي: لا يُنكر هذا، وأحد التأويلات التي قَدَّمْنَا (٢)
في القَدَم - أنهم قوم تَقَدَّمَ في علم الله أنه يخلقهم لها - مطابق للإنشاء، وموافق لمعناه... ، ولا فرق بين الإنشاء للجنة أو النار، لكن ذِكْرُ القَدَمِ بعد ذِكْرِ الإنشاء هنا يُرجِّح أَنْ يكون تأويل القَدَمِ بخلافه، بمعنى القهر والسطوة، أو قدم جبار وكافر من أهلها كانت النار تنتظر إدخاله إياها بإعلام الله لها، أو الملائكة الموكلين بما أمرهم... ". اهـ (٣)
_________
(١) انظر: فتح الباري، لابن حجر (١٣/ ٤٤٦).
(٢) قال القاضي عياض في مشارق الأنوار (١/ ١٣٧) عند شرحه للحديث: "قوله: حتى يضع الجبار فيها قدمه. قيل: هو أحد الجبابرة الذين خلقهم الله لها فكانت تنتظره، وقيل: الجبار هنا الله تعالى، وقدمه قوم قدمهم الله تعالى لها، أو تقدم في سابق علمه أنه سيخلقهم لها، وهذا تأويل الحسن البصري، كما جاء في كتاب التوحيد من البخاري: "وإن الله ينشىء للنار من يشاء فيلقون فيها" وذكر أيضاً في الجنة وقال: "فينشئ لها خلقاً"، وقيل: معناه يقهرها بقدرته حتى تسكن، يقال: وطئنا بني فلان إذا قهرناهم وأذللناهم، وعند أبي ذر في تفسير سورة "ق" حتى يضع رجله، ومثله في كتاب مسلم في حديث عبدالرزاق. وإذا أضفنا ذلك إلى أحد الجبابرة كان على وجهه؛ وإلا كان بمعنى الجماعة التي خلقهم لها، والرجل الجماعة من الجراد، أو يتأول فيه ما يتأول في القدم كما تقدم". اهـ
قلت: ما ذهب إليه القاضي رحمه الله من تأويل صفتي القدم والرجل لله تعالى هو مذهب أهل التأويل، والحق وجوب حملهما على الحقيقة من غير تأويل ولا تعطيل ولا تكييف، كما هو مذهب أهل السنة.
قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله تعالى - في شرح العقيدة الواسطية، ص (٤١٤): "في هذا الحديث من الصفات: أن لله تعالى رجلاً وقدماً حقيقية، لا تماثل أرجل المخلوقين.... ، وخالف الأشاعرة وأهل التحريف في ذلك فقالوا: (يضع عليها رجله) يعني: طائفة من عباده مستحقين للدخول.... ، وهذا تحريف باطل؛ لأن قوله: "عليها" يمنع ذلك، وأيضاً لا يمكن أن يضيف الله عز وجل أهل النار إلى نفسه؛ لأن إضافة الشيء إلى الله تكريم وتشريف... ". اهـ
(٣) مشارق الأنوار، للقاضي عياض (٢/ ٣٢١ - ٣٢٢).