بِالْإِسْلاَمِ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - ﷺ - فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ أَهْلُ ضَرْعٍ، وَلَمْ يَكُونُوا أَهْلَ رِيفٍ، وَشَكَوْا حُمَّى الْمَدِينَةِ؛ فَأَمَرَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - بِذَوْدٍ (١)،
وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ الْمَدِينَةِ؛ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا، فَانْطَلَقُوا، فَكَانُوا فِي نَاحِيَةِ الْحَرَّةِ، فَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ، وَقَتَلُوا رَاعِيَ رَسُولِ اللَّهِ - ﷺ -، وَسَاقُوا الذَّوْدَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - ﷺ -؛ فَبَعَثَ الطَّلَبَ فِي آثَارِهِمْ، فَأُتِيَ بِهِمْ، فَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ (٢)، وَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَتُرِكُوا بِنَاحِيَةِ الْحَرَّةِ، يَقْضَمُونَ حِجَارَتَهَا حَتَّى مَاتُوا".
قَالَ قَتَادَةُ: فَبَلَغَنَا أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِمْ: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ). (٣)
وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -: "أَنَّ نَاسًا أَغَارُوا عَلَى إِبِلِ النَّبِيِّ - ﷺ -، فَاسْتَاقُوهَا وَارْتَدُّوا عَنْ الْإِسْلاَمِ، وَقَتَلُوا رَاعِيَ رَسُولِ اللَّهِ - ﷺ - مُؤْمِنًا؛ فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ، فَأُخِذُوا، فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ، قَالَ: وَنَزَلَتْ فِيهِمْ آيَةُ الْمُحَارَبَةِ". (٤)
ففي هذين الحديثين أنَّ هؤلاء العرنيين سرقوا، وقتلوا، وكفروا بعد إسلامهم، وحاربوا الله ورسوله، فكان جزاؤهم أنَّ لهم خزياً في الدنيا - وهو ما نُفِّذَ فيهم من التقطيع والتقتيل - ولهم في الآخرة عذاب عظيم؛ بسبب أنهم قُتِلوا وهم مرتدين.
وأما أهل الحرابة من المسلمين فإنهم غير داخلين في هذا الوعيد، أعني قوله تعالى: (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)، وذلك لحديث عبادة - رضي الله عنه -، في أنَّ من أقيم عليه الحد من المسلمين فهو كفارة له.
_________
(١) الذود: ما بين الثلاثة إلى العشرة من الإبل. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير (٢/ ١٧١).
(٢) سَمْلُ العين: فقؤها بحديدة محماة أو غيرها. انظر: النهاية في غريب الحديث (٢/ ٤٠٣).
(٣) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (٣/ ١٦٣)، وإسناده صحيح.
(٤) أخرجه أبو داود في سننه، في كتاب الحدود، حديث (٤٣٦٩). وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (٣/ ٤٧)، حديث (٤٣٦٩).