اعتقاد الحقيقة فيما هو المراد، ثم الإقبال على الطلب والتأمل فيه إلى أنْ يتبين المراد فيعمل به.
وأما المجمل فهو ضد المُفَسَّر، مأخوذ من الجملة، وهو لفظ لا يُفهم المراد منه إلا باستفسار من المُجْمِلِ، وبيان من جهته يُعرف به المراد.
وبهذا يتبين أنَّ المجمل فوق المُشْكِل؛ فإنَّ المراد في المُشْكِل قائم، والحاجة إلى تمييزه من أشكاله، والمراد في المجمل غير قائم، ولكن فيه توهم معرفة المراد بالبيان
والتفسير». اهـ (١)
وعرَّفه الشاشي (٢) فقال: «هو ما ازداد خفاءً على الخفي، كأنه بعدما خفي على السامع حقيقة دخل في أشكاله وأمثاله، حتى لا يُنال المراد إلا بالطلب ثم بالتأمل، حتى يتميز عن أمثاله». اهـ (٣)
وعرَّفه أبو زيد الدَّبُوسي (٤)، فقال: «هو الذي أشكل على السامع طريق الوصول إلى المعنى الذي وضعه له واضع اللغة، أو أراده المستعير». اهـ (٥)
وعرَّفه الجُرْجَاني (٦)، فقال: «المُشْكِل: هو ما لا يُنال المراد منه إلا بتأملٍ بعد الطلب، وهو الداخل في أشكاله، أي: في أمثاله وأشباهه، مأخوذ من قولهم: أشكل، أي: صار ذا شَكْلٍ، كما يُقال: أحرم، إذا دخل في الحرم، وصار ذا حُرْمَةٍ». اهـ (٧)
وجمع بين هذه التعريفات الأستاذ عبد الوهاب خلاف؛ فقال: «المراد بالمُشْكِل في اصطلاح الأصوليين: اللفظ الذي لا يدل بصيغته على المراد منه، بل لا بُدَّ من قرينة خارجية تُبيّن ما يُراد منه». اهـ (٨)
ويلاحظ من مجموع هذه التعريفات أنَّ معنى المُشْكِل عند الأصوليين:
_________
(١) المصدر السابق.
(٢) هو: إسحاق بن إبراهيم، أبو يعقوب الخراساني، الشاشي: فقيه الحنفية في زمانه. نسبته إلى الشاش (مدينة وراء نهر سيحون) انتقل منها إلى مصر، وولي القضاء في بعض أعمالها، وتوفي بها. له كتاب (أصول الفقه)، يُعرف بأصول الشاشي، توفي سنة (٣٢٥هـ). انظر: الأعلام، للزركلي (١/ ٢٩٣).
(٣) نقله عنه: الدكتور رفيق العجم في «موسوعة مصطلحات أصول الفقه عند المسلمين»، ص (١٤٢٨)، وانظر: مشكل القرآن، للمنصور، ص (٥٠).
(٤) هو: عبد الله بن عمر بن عيسى، أبو زيد الدبوسي: أول من وضع علم الخلاف وأبرزه إلى الوجود. كان فقيهاً باحثاً، نسبته إلى دبوسية (بين بخارى وسمرقند) ووفاته في بخارى، عن ٦٣ سنة. له (تأسيس النظر) في ما اختلف به الفقهاء أبو حنيفة وصاحباه ومالك، و (الأسرار)، في الأصول والفروع، عند الحنفية، وغيرها، توفي سنة (٤٣٠هـ). انظر: الأعلام، للزركلي (٤/ ١٠٩).
(٥) نقله عنه: الدكتور محمد أديب الصالح في «تفسير النصوص» (١/ ٢٥٣)، وانظر: مشكل القرآن، للمنصور، ص (٥٠).
(٦) هو: علي بن محمد بن علي، المعروف بالشريف الجرجاني: فيلسوف. من كبار العلماء بالعربية. ولد في تاكو (قرب استراباد) ودرس في شيراز. ولما دخلها تيمور سنة ٧٨٩ هــ فر الجرجاني إلى سمرقند ثم عاد إلى شيراز بعد موت تيمور، فأقام إلى أن توفي. له نحو خمسين مصنفاً، منها (التعريفات)، و (شرح مواقف الإيجي)، وغيرهما، توفي سنة (٨١٦هـ). انظر: الأعلام، للزركلي (٥/ ٧).
(٧) التعريفات، للجرجاني، ص (٢٧٦).
(٨) علم أصول الفقه، لعبد الوهاب خلاف، ص (١٧١).