المسلك الثاني: مسلك الترجيح:
ويرى أصحاب هذا المسلك أَنَّ قوله في الحديث: "قُلْ: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ غَوِيَ"، لم يُثبت عن النبي - ﷺ - من قوله، وإنما هي زيادة مدرجة من بعض الرواة.
وهذا رأي أبي بكر ابن العربي، وأشار إليه الحافظ ابن رجب. (١)
ولم يُبَيّن ابن العربي العلة التي أوجبت إنكار النبي - ﷺ - على الخطيب.
المبحث الخامس: الترجيح:
الذي يَظْهُرُ صَوَابُه - والله تعالى أعلم - هو ما ذهب إليه أبو جعفر الطحاوي، ومن تبعه: أَنَّ ما جاء في الآية - من جمع اللهِ تعالى الملائكةَ مع نفسه في ضمير واحد - جائز للبشر فعله، والنبي - ﷺ - لم يقل: "بئس الخطيب أنت" لهذا المعنى، وإنما قاله لأَنَّ الخطيب وقف على: "ومن يعصهما" وسكت سكتة، فأوهم إدخال العاصي في الرشد.
وأما الحديث فأصح رواياته الرواية التي وقف فيها الخطيب على قوله: "ومن يعصهما"، وليس في هذه الرواية أَنَّ النبي - ﷺ - قال في آخر الحديث: "قُلْ: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ غَوِيَ"، ونصُّ هذه الرواية كاملة: "أَنَّ خَطِيبًا خَطَبَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمَنْ يَعْصِهِمَا. فَقَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُمْ، أَوْ اذْهَبْ، بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ".
وهذه الرواية هي الأصح، لأمور:
الأول: أَنَّها جاءت من طريق يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، ولم يختلف النقاد في تقديم يحيى القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، على وكيعٍ، في سفيان.
_________
(١) انظر على الترتيب: عارضة الأحوذي، لابن العربي (٥/ ١٨)، وفتح الباري، لابن رجب (١/ ٥٧).


الصفحة التالية
Icon