معنى قوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣)) لا إشكال فيه؛ لأنَّ النبي - ﷺ - لا ينطق بشيء من أجل الهوى، ولا يتكلم بالهوى، وقوله تعالى: (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤)) يعني أَنَّ كل ما يبلغه عن الله فهو وحي من الله، لا بهوى ولا بكذب ولا افتراء، والعلم عند الله تعالى". اهـ (١)
المبحث الخامس: الترجيح:
ما ذكره الجمهور في هذه المسألة هو المتعين جمعاً بين الآية والحديث، وحسب اطلاعي فإني لم أقف على قولٍ بخلافه؛ فكان له حكم الاتفاق.
وأمَّا أقوال النبي - ﷺ - وأفعاله فتحرير القول فيها أنها على قسمين:
الأول: ما كان في أمر الشريعة والتبليغ عن الله تعالى، وهذا له حالتان:
١ - أنْ يكون بوحي من الله تعالى، وهذا لا مجال للخطأ فيه، وهو الذي يسميه العلماء الخبر المعصوم، وعليه تُحمل الآية الواردة في المسألة.
٢ - أنْ يكون باجتهاد منه - ﷺ -، وهذا لا يخلو إمَّا أنْ يُقرَّ عليه، أو يُنَبَّه إلى الصواب، وهو في كلا الحالتين في حكم الوحي؛ أما الحالة الأولى فلإقرار الله له، وأما الثانية فلتصويب الله إياه.
القسم الثاني: ما كان من أمور الدنيا، وهذا حكمه أنْ لا تعلق له بالرسالة والتبليغ، بل النبي - ﷺ - فيه كسائر الناس، في جواز الخطأ والصواب عليه، وعليه يحمل ما جاء في قضية تأبير النخل، وغيرها من الحوادث التي وقعت باجتهاد منه - ﷺ -. (٢)
ومما يؤكد هذا المعنى قوله - ﷺ - في حديث التأبير: "إِنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا فَلَا
_________
(١) أضواء البيان، للشنقيطي (١٠/ ٢٧٧).
(٢) انظر: أحكام القرآن، للجصاص (٢/ ٣٩٢)، والشفا بتعريف حقوق المصطفى، للقاضي عياض (٢/ ٧٣)، ومجموع الفتاوى، لابن تيمية (١٥/ ١٩٠)، ومفتاح دار السعادة، لابن القيم (٢/ ٢٦٧)، وقواعد التحديث، للقاسمي (١/ ٢٦٩).