مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ) [البقرة: ٢٥٣] لا ينافي ما ثبت في الصحيحين أنَّ رسول الله - ﷺ - قال: "لاَ تُفَضِّلُوا بَيْنَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ"؛ فإنَّ المراد من ذلك هو التفضيل بمجرد التَّشهّي والعصبية، لا بمقتضى الدليل، فإذا دلَّ الدليل على شيء وجب اتباعه". اهـ (١)
المذهب الرابع: أنَّ نهيه - ﷺ - إنما هو على سبيل التواضع منه؛ لأنه يعلم أنه أفضل الأنبياء، يدل على ذلك قوله - ﷺ -: "أَنَا سَيِّد وَلَد آدَم وَلَا فَخْرَ". (٢)
وهذا قول: ابن قتيبة، واختاره وجهاً آخر في الجمع: ابن كثير، والسيوطي. (٣)
المذهب الخامس: أنَّ المنع من التفضيل إنما هو من جهة النبوة التي هي خصلة واحدة لا تفاضل فيها، وإنما التفضيل في زيادة الأحوال والخصوص والكرامات والألطاف والمعجزات المتباينات، وأما النبوة في نفسها فلا
_________
(١) تفسير ابن كثير (٣/ ٥٠).
(٢) أخرجه ابن ماجة في سننه، في كتاب الزهد، حديث (٤٣٠٨)، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ وَلَا فَخْرَ، وَلِوَاءُ الْحَمْدِ بِيَدِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ".
وفي سنده علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف، كما في التقريب (٢/ ٤٣).
وله شاهد من حديث جابر بن عبد الله، أخرجه الحاكم في المستدرك (٢/ ٦٦٠)، من حديث عبيد الله بن إسحاق العطار، حدثنا القاسم بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عقيل، حدثني أبي، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - ﷺ -: "أنا سيد ولد آدم ولا فخر". قال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه". وتعقبه الذهبي: "بأن عبيد الله ضعفه غير واحد، والقاسم متروك تالف".
والحديث صححه الألباني، في صحيح ابن ماجة (٣/ ٤٠٢)، حديث (٤٣٨٤)، وصحيح الترغيب والترهيب، حديث (٣٦٤٣). وأصله في الصحيحين لكن دون قوله: "ولا فخر".
فقد أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب التفسير، حديث (٤٧١٢)، ولفظه: "أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". وأخرجه مسلم في صحيحه، في كتاب الفضائل، حديث (٢٢٧٨)، ولفظه: "أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ".
(٣) انظر على الترتيب: تأويل مختلف الحديث، لابن قتيبة (١/ ١١٦)، والبداية والنهاية، لابن كثير
(١/ ٢٢٢، ٢٩١)، ومعترك الأقران في إعجاز القرآن، للسيوطي (٣/ ٢٦).