كما يتأكد أيضاً إذا كان التفضيل يؤدي إلى توهم النقص في المفضول أو الغض منه، أو كان على وجه الإزراء به، فإنَّ النبي - ﷺ - قال: "لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إِنِّي خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى". (١)
قال الحافظ ابن حجر: "وخَصَّ يونس بالذكر لما يُخشى على من سمع قصته أنْ يقع في نفسه تنقيصٌ له، فبالغ في ذكر فضله لسَدِّ هذه الذريعة". اهـ (٢)
وأما إذا كان التفضيل بمقتضى الدليل، ومن غير أنْ يترتب عليه محذور شرعي؛ فإنه لا مانع منه، والله تعالى أعلم.
وأما القول: بأنَّ المراد بالأحاديث النهي عن تعيين المفضول؛ فيَرُدُّهُ قوله تعالى: (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨)) [القلم: ٤٨]، ففي هذه الآية تعيين للمفضول.
قال ابن قتيبة: "أراد أنَّ يونس لم يكن له صبر كصبر غيره من الأنبياء، وفي هذه الآية ما دلَّك على أنَّ رسول الله - ﷺ - أفضل منه؛ لأن الله تعالى يقول له: لا تكن مثله". اهـ (٣)
وأما القول: بأنَّ النهي كان قبل أنْ يعلم النبي - ﷺ - أنه سيد ولد آدم، وقبل نزول الآيات؛ فيحتاج إلى معرفة التاريخ حتى نعلم المتقدم من المتأخر، ومن ثم تصح دعوى النسخ، علماً بأنَّ دعوى النسخ يَرُدُّهُا أنَّ بعض الآيات التي ورد فيها التفضيل مكية، وهي قوله تعالى: (وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا) [الإسراء: ٥٥] حيث وردت في سورة الإسراء وهي مكية. (٤)
وقوله تعالى: (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨)) [القلم: ٤٨]، حيث وردت في سورة القلم وهي مكية. (٥)
وحديثا أبي هريرة، وأبي سعيد، الواردان في النهي عن التفضيل، قالهما
_________
(١) سبق تخريجه في أول المسألة.
(٢) فتح الباري، لابن حجر (٦/ ٥٢١).
(٣) تأويل مختلف الحديث، لابن قتيبة (١/ ١١٦).
(٤) انظر: المحرر الوجيز، لابن عطية (٣/ ٤٣٤).
(٥) انظر: المصدر السابق (١٠/ ١٣٤).