وقال الحافظ ابن حجر: والحق أنَّ الذي سبق في علم الله لا يتغير ولا يتبدل، وأنَّ الذي يجوز عليه التغيير والتبديل ما يبدو للناس من عمل العامل، ولا يبعد أنْ يتعلق ذلك بما في علم الحفظة والموكلين بالآدمي، فيقع فيه المحو والإثبات، كالزيادة في العمر والنقص، وأما ما في علم الله فلا محو فيه ولا إثبات، والعلم عند الله. اهـ (١)
والمراد بالمكتوب في صحف الملائكة يفسره حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، عَنْ النَّبِيِّ - ﷺ - قَالَ: "وَكَّلَ اللَّهُ بِالرَّحِمِ مَلَكًا فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ نُطْفَةٌ، أَيْ رَبِّ عَلَقَةٌ، أَيْ رَبِّ مُضْغَةٌ، فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَقْضِيَ خَلْقَهَا قَالَ: أَيْ رَبِّ، أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى، أَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ، فَمَا الرِّزْقُ؟ فَمَا الْأَجَلُ؟ فَيُكْتَبُ كَذَلِكَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ". (٢)
وحديث حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ - رضي الله عنه -، أنَّ النَّبِيَّ - ﷺ - قَالَ: "يَدْخُلُ الْمَلَكُ عَلَى النُّطْفَةِ ـ بَعْدَ مَا تَسْتَقِرُّ فِي الرَّحِمِ بِأَرْبَعِينَ أَوْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً ـ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، أَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، فَيُكْتَبَانِ؟ فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى، فَيُكْتَبَانِ؟ وَيُكْتَبُ عَمَلُهُ وَأَثَرُهُ وَأَجَلُهُ وَرِزْقُهُ، ثُمَّ تُطْوَى الصُّحُفُ، فَلَا يُزَادُ فِيهَا وَلَا يُنْقَصُ". (٣)
وفي رواية: "فَيَقْضِي رَبُّكَ مَا شَاءَ، وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ، ثُمَّ يَخْرُجُ الْمَلَكُ بِالصَّحِيفَةِ فِي يَدِهِ، فَلَا يَزِيدُ عَلَى مَا أُمِرَ وَلَا يَنْقُصُ". (٤)
وعلى هذا فإنَّ زيادة العمر ونقصانه إنما هي بالنسبة لعلم الملك الموكل بالآجال، وأما ما سبق في علم الله تعالى وقضاه في الأزل فلا زيادة فيه ولا نقصان، وعليه تحمل الآيات الواردة بأنَّ الأجل لا يتقدم ولا يتأخر. (٥)
_________
(١) فتح الباري، لابن حجر (١١/ ٤٩٧)، بتصرف. وانظر: (١٠/ ٤٣٠).
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الحيض، حديث (٣١٨)، وفي كتاب القدر، حديث (٦٥٩٥)، ومسلم في صحيحه، في كتاب القدر، حديث (٢٦٤٦).
(٣) أخرجه مسلم في صحيحه، في كتاب القدر، حديث (٢٦٤٤).
(٤) أخرجه مسلم في صحيحه، في الموضع السابق، حديث (٢٦٤٥).
(٥) انظر: منهج الإمام الشوكاني في العقيدة، لعبد الله نومسوك، ص (٢٤٠ - ٢٤٢).