قال: ونظير هذا ما في الترمذي وغيره، عن النبي - ﷺ -: "أنَّ آدم لما طلب من الله أن يُريه صورة الأنبياء من ذريته، فأراه إياهم، فرأى فيهم رجلاً له بصيص (١) فقال: من هذا يا رب؟ فقال: ابنك داود. قال: فكم عمره؟ قال: أربعون سنة. قال: وكم عمري؟ قال: ألف سنة. قال: فقد وهبت له من عمري ستين سنة. فكتب عليه كتاب وشهدت عليه الملائكة، فلما حضرته الوفاة قال: قد بقي من عمري ستون سنة. قالوا: وهبتها لابنك داود. فأنكر ذلك، فأخرجوا الكتاب. قال النبي - ﷺ -: فنسي آدم فنسيت ذريته، وجحد آدم فجحدت ذريته" (٢)،
وروي: "أنه كمل لآدم عمره ولداود عمره" (٣). فهذا داود كان عمره المكتوب أربعين سنة ثم جعله ستين (٤)، وهذا معنى ما روي عن عمر أنه قال: "اللهم إن كنت كتبتني شقياً فامحني واكتبني سعيداً؛ فإنك تمحو ما تشاء وتثبت (٥). اهـ (٦)
_________
(١) البصيص: البَرِيق. يقال: وَبَص الشيء يَبِصُ وَبِيصاً، وبَصَّ بَصِيصاَ، بمعنى: برق. انظر: مشارق الأنوار، للقاضي عياض (٢/ ٢٧٧)، والنهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير (٥/ ١٢٨).
(٢) أخرجه من حديث أبي هريرة: الترمذي في سننه، في كتاب التفسير، حديث (٣٠٧٦)، وحديث
(٣٣٦٨)، وابن حبان في صحيحه (١٤/ ٤١)، والبيهقي في السنن الكبرى (١٠/ ١٤٧)، وأبو يعلى في مسنده (١١/ ٢٦٣)، والحاكم في المستدرك (١/ ١٣٢)، وقال: "صحيح على شرط مسلم"، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (٢/ ٩٢٤ - ٩٢٥)، حديث (٥٢٠٨)، وحديث (٥٢٠٩).
(٣) هذه الرواية أخرجها الإمام أحمد في مسنده (١/ ٢٩٨)، حديث (٢٧١٣)، من حديث ابن عباس، وفي سند الحديث: "علي بن زيد بن جدعان"، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (٨/ ٨٠٦): "رواه أحمد والطبراني، وفيه علي بن زيد ضعفه الجمهور، وبقية رجاله ثقات".
(٤) كذا في الأصل، ولعل الصواب "ثم جعله مائة"، يؤيد ذلك قول المؤلف في موضع آخر من الفتاوى
(٨/ ٥٤٠): "وكذا عمر داود زاد ستين سنة، فجعله الله مائة بعد أن كان أربعين".
(٥) أخرجه ابن جرير في تفسيره (٧/ ٤٠١)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة
(٤/ ٦٦٣ - ٦٦٤)، أثر (١٢٠٦) و (١٢٠٧)، كلاهما من طريق عصمة أبي حكيمة، عن أبي عثمان النهدي، عن عمر بن الخطاب، به. وأبو حكيمة: ذكره ابن حبان في الثقات (٧/ ٢٩٨)، وقال أبو حاتم الرازي في "الجرح والتعديل" (٧/ ٢٠): "محله الصدق"، وبقية رجاله ثقات، وعليه فالإسناد حسن.
(٦) مجموع الفتاوى، لابن تيمية (١٤/ ٤٩١ - ٤٩٢)، بتصرف.


الصفحة التالية
Icon