يزيد وينقص، ويُمحى ويُثبت ليبَّلغَ ذلك على لسان الشرع إلى الآدمي، فبذلك يُعلم فضيلة البر وسوء العقوق، ويجوز أن يكون هذا مما يتعلق بالملائكة؛ فتؤمر بالإثبات والمحو، والعلم المحتوم لا يطلعون عليه، ومن هذا الباب إرسال الرسل إلى من علم الله أنهم لا يؤمنون. (١)
الاعتراض الثاني: أنَّ قوله تعالى: (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) [الرعد: ٣٩] معناه: يمحو ما يشاء من الشرائع، ويثبت ما يشاء فلا ينسخه، والسياق أدل على هذا الوجه، وهو قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) [الرعد: ٣٨] فأخبر تعالى أنَّ الرسول لا يأتي بالآيات من قبل نفسه، بل من عند الله تعالى، ثم قال: (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (٣٨) يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (٣٩)) [الرعد: ٣٨، ٣٩] أي أنَّ الشرائع لها أجل وغاية تنتهي إليها ثم تُنسخ بالشريعة الأخرى، فينسخ الله ما يشاء من الشرائع عند انقضاء الأجل، ويثبت ما يشاء. (٢)
وأجيب: بأن هذا تخصيص لعموم الآية من غير مخصص، وأيضاً فإن الشرائع والفرائض هي مثل العمر؛ فإذا جاز فيها المحو والإثبات جاز في العمر المحو والإثبات. (٣)
الاعتراض الثالث: أنَّ قوله تعالى: (وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ) [فاطر: ١١]، الضمير في قوله: (مِنْ عُمُرِهِ) هو بمنزلة قولهم عندي درهم ونصفه، أي ونصف درهم آخر، فيكون معنى الآية: وما يعمر من معمر، ولا ينقص من عمر آخر إلا في كتاب. (٤)
وأجيب: بأن الأصل اتساق الضمائر، وعودها لمذكور واحد، فالضمير
_________
(١) انظر: كشف المشكل من حديث الصحيحين، لابن الجوزي (٣/ ١٨٦ - ١٨٧).
(٢) انظر: مشكل الحديث وبيانه، لابن فورك (١/ ١٥٢)، وشرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز الحنفي (١/ ١٥٢).
(٣) انظر: إرشاد ذوي العرفان، للكرمي، ص (٥٣)، وتنبيه الأفاضل، ص (١٤)، وقطر الولي، كلاهما للشوكاني، ص (٥٠٤).
(٤) انظر: مشكل الحديث وبيانه، لابن فورك (١/ ٣٠٧ - ٣٠٨)، وشرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز الحنفي (١/ ١٥١)، وحاشية العطار (٢/ ٤٧٨).


الصفحة التالية
Icon