على الأَمَة إنْ كانت غير محصنة؛ أخذاً بمنطوق الحديث. (١)
الثالث: مذهب إعمال مفهوم الآية ومنطوق الحديث معاً:
واختلف أصحاب هذا المذهب في معنى هاتين الدلالتين للآية والحديث، وفي الحكم المترتب عليهما على أقوال:
الأول: أنَّ مفهوم الآية المراد به نفي الحَدّ، فإذا زَنَت الأَمَة وهي غير محصنة فلا حدَّ عليها، وإنما تُضرب تأديباً؛ كما دل عليه منطوق الحديث.
ويرى هؤلاء أنْ لا تعارُض بين مفهوم الآية ومنطوق الحديث؛ لأنَّ مفهوم الآية يُفيد أنْ لا حدَّ على الأَمَة إنْ كانت غير محصنة، وأمَّا منطوق الحديث ففيه جلدها تأديباً وليس حداً.
والفرق بين الحدِّ والتأديب: أنَّ الأول واجب بخلاف الثاني.
حَكَى هذا القول الإمام ابن القيم، ومال إليه وقوَّاه (٢)، وجعله الحافظ ابن كثير مذهب ابنِ عباس - رضي الله عنه - ومن تَبِعَه، القائلين بأنْ لا حدَّ على أمَةٍ إنْ كانت غير محصنة. (٣)
وحُجَّةُ هؤلاء (٤):
أنَّ الحديث لم يُؤَقَّتْ فيه الجلدُ بعددٍ مُعَيَّن كما وُقِّتَ في الآية، التي فيها أنَّ على الأَمَة نِصْفُ ما على المحصنة من العذاب؛ وهذا يدل على أنَّ الجلد في الحديث إنما هو من باب التأديب، ولا يُراد به الحدَّ؛ إذ لو أراد الحدَّ لَنَصَّ على عددٍ مُعَيَّن كما في الآية.
وبأنَّ الحديث لم يُذْكَر فيه الحدُّ، وإنما ذُكِرَ فيه الجلدُ.
واعتُرِضَ على هذه الأدلة:
بأنَّ الحديث قد روي بألفاظٍ أخرى، وفيها التَّنْصِيصُ على ذِكْرِ العدد، وذِكْرِ الحدِّ. (٥)
_________
(١) انظر: شرح مشكل الآثار، للطحاوي (٩/ ٣٥٦ - ٣٥٧).
(٢) انظر: زاد المعاد، لابن القيم (٥/ ٤٤).
(٣) انظر: تفسير ابن كثير (١/ ٤٨٨).
(٤) انظر: المصدر السابق (١/ ٤٨٨).
(٥) انظر: شرح مشكل الآثار، للطحاوي (٩/ ٣٥٠ - ٣٥٥).