تفسير قوله تعالى: (قيماً لينذر بأساً شديداً من لدنه)
قال تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا * قَيِّمًا﴾ [الكهف: ١ - ٢].
فهو القيم والقائم والمهيمن على ما سبقه من كتب سماوية، والقيم على كل كتب الناس وعلومهم، فما وافقه فهو الحق، وما خالفه فهو الباطل.
قال تعالى: ﴿قَيِّمًا لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا﴾ [الكهف: ٢].
أنزل الله هذا القرآن القيم المهيمن المستقيم الكامل الذي ﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ﴾ [فصلت: ٤٢] على البشير النذير ليتخذه سيدنا رسول الله ﷺ أداة في الخطابة وفي الدعوة وفي العلم، وفي مخاطبة الأعداء وفي مخاطبة الأنصار، وفي دعوة الناس إلى الحق والهدى والنور.
وقوله تعالى: ﴿لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا﴾ [الكهف: ٢] أي: لينذر الناس الذين لم يؤمنوا وأصروا على الشرك والكفر البأس الشديد، والغضب الشديد، والقوة الشديدة، والعذاب من الله والطرد من الرحمة والخلود في النار، إن هم أصروا على الكفر، وأبوا إلا الشرك، وحادوا عن الإيمان والتوحيد.
وقوله تعالى: ﴿لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ﴾ [الكهف: ٢] أي: من لدن الله، ومن عند الله، لا من عند محمد ﷺ ولا من عند أحد من الخلق، فالله عندما يريد أن ينزل بأسه بالناس يسلط رسله على من يشاء من عباده المشركين والكافرين، وقد سلط نبيه ﷺ على الكفار والمشركين من العرب والفرس والروم، إلى أن دانوا لله، وذلوا للحق، وقالوا كلمة التوحيد، وحادوا عن الشرك، ومن لم يستجيبوا ذهبوا بين شريد وطريد وقتيل، وما عند الله أشد وأنكى.
فهذا البأس وهذه النذارة الشديدة وهذا التخويف بالعذاب هو من لدن الله، ولكن الله يسلط عباده بأمره وببأسه على من يشاء من الكافرين الجاحدين.
قال تعالى: ﴿وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الكهف: ٢].
أي: يبشر الذين آمنوا بالله واحداً، وبمحمد نبياً، وبالقرآن إماماً، وبالكعبة قبلة، فهؤلاء المؤمنون ضموا إلى الإيمان بالقلب العمل بالجوارح، فقاموا بالأركان الخمسة من قول الشهادتين والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، كما تحلوا بالأخلاق الفاضلة، وتخلوا عن الأخلاق الرذيلة السافلة.
فهؤلاء المؤمنون يبشر منهم من مضى، ويبشر من يأتي، وهي بشرى قائمة إلى يوم القيامة بأن من آمن بالله وبرسول الله، وعمل صالحاً كان له الأجر الحسن، والأجر هنا هو الجنة.
قال تعالى: ﴿مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا﴾ [الكهف: ٣] أي: مقيمين خالدين أبد الآباد.


الصفحة التالية
Icon