تفسير قوله تعالى: (الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات)
قال تعالى: ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [النور: ٢٦].
لا يزال الله جل جلاله يقرّع أولئك ويوبخهم، ويحذرهم نفسه وينذرهم؛ حتى لا يعود إنسان لمثل ذلك، فكان هذا أمراً ووحياً نزل على نبينا ﷺ لمن عاصر حادثة الإفك، وبقي حكماً مستمراً إلى يوم القيامة لمن يجيء بعد حادثة الإفك ويأفك ويكذب ويزور ويقول ما لم يكن له حق، مما لم تره له عين بل ولم يعاصره البتة.
يقول جل جلاله: ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ﴾ [النور: ٢٦] أي: النساء الخبيثات والنساء الفاحشات الزواني لا يكن زوجات إلا لأمثالهن من الخبيثين من الرجال، وهذه السيدة الجليلة زوجة لسيد الخلق والبشر، وزوجة للطيب المطيب صلى الله عليه وعلى آله، فكيف تظنون في الزوجات الخبيثات أن يتزوجهن الطيب المطيب المبرأ المعصوم سيد الخلق والبشر، وإمام الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم؟! هذا ما لا يقبله منطق، ولم ينزل به وحي، ولم يجعل الله للطيبين من الرسل والأنبياء إلا الطيبات القانتات الصالحات المحصنات العفيفات الطاهرات، فقال جل جلاله: ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ﴾ [النور: ٢٦].
فلا يليق بالطيب المطيب والطاهر المطهر صلى الله عليه وسلم، أن تكون له زوجة خبيثة، يصدر عنها ما قاله هؤلاء الأفاكون الكذابون عندما قالوا ما قالوا وهم لا يلقون بالاً لما قالوه.
والنبي ﷺ يقول: (إن أحدكم لينطق بالكلمة لا يلقي لها بالاً، فيهوي بها في نار جهنم سبعين خريفاً)، يقول هذا للمؤمنين؛ ليحفظوا ألسنتهم من السوء من إيذاء أعراض المسلمين عموماً، فكيف بعرض سيد البشر صلى الله عليه وسلم! قال تعالى: ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ﴾ [النور: ٢٦]، ولا يليق بالخبيثة من النساء إلا خبيث مثلها، وإن لم يكن خبثاً في الأصل لكنه إذا رأى الخبث وسكت عنه يصبح خبيثاً، فهو إذا كان مؤهلاً للخبث قبل ذلك -وهي الدياثة التي عبر بها ﷺ من يرى السوء في أهله ويسكت عنه- لا يطلق ولا يؤدب ولا يلاعن، هذه هي الدياثة التي لا تقبلها رجولة، فكيف برجولة مؤمن صادق؟ قال تعالى: ﴿وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ﴾ [النور: ٢٦].
فسيد الرسل هو الطيب المطيب، وهذه حقيقة مسلمة ومفروغ منها عند كل مؤمن ومسلم، والكلام هنا للمسلمين الذين قالوا ما لم تر أعينهم، فكيف يتصور أن يكون للطيب غير طيبة؟ وما دام قد ثبت أنه النبي المعصوم، وأنه الطيب الطاهر صلوات الله وسلامه عليه، إذاً: فكل نسائه طيبات وطاهرات، وكلهن عفيفات صالحات قانتات، وعلى ذلك فمجرد كون السيدة أماً للمؤمنين وزوجةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كان ينبغي ألا يخطر هذا ببال مسلم، فضلاً عن أن ينطق به.
قال تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ﴾ [النور: ٢٦].
أي: أولئك المطيبون من الأنبياء والرسل، وأولئك المطيبون من الصحابة من الرعيل الأول ومن الصالحين المؤمنين، هم مبرءون مما يقول السفهاء والمنافقون والبله المغفلون.
وقد برأ جل جلاله عرض النبي صلى الله عليه وسلم، وبرأ السيدة عائشة أم المؤمنين مما قذفها به المنافقون والبله المغفلون، فقال: ﴿أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ﴾ [النور: ٢٦].
فبرأهم الله في سلسلة منسقة من الآيات آخرها هذه الآية: ﴿أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [النور: ٢٦].
فهؤلاء الطيبون الطاهرون غفر الله ذنوبهم، وحتى الخواطر التي خطرت في أنفسهم غفرها لهم، وعوض ذلك رزقاً كريماً، وهو الرزق الخالد في الجنة.
ومعنى ذلك: أن الله بشر السيدة عائشة في الدنيا قبل الآخرة بأنها طيبة مطيبة، وأنها زوجة الطيب المطيب، وهي مغفور ذنوبها والخواطر التي تخطر بنفسها، وأن الله عوضها بهذا الذي قذفت به رزقاً كريماً في الجنان.
وعندما أخطأت عائشة رضي الله عنها وقامت تقاتل علي بن أبي طالب في فتنة الهودج، وحدث الذي حدث حاول بعض المنافقين أن يلعب دوراً في ذلك، فإذا بـ علي يقول: والله إنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة، وإنها لحبيبة نبيكم في الدنيا والآخرة، ولو صح أن تكون امرأة خليفة لكانت عائشة، وبذلك قطع لسان كل أفاك، وقطع لسان كل من أراد أن يصطاد في الماء العكر، فهذه فتنة كانت وانتهت، فُتِنَ بها من فتن، وآب بالمغفرة من آب.