ذكر بعض آداب الاستئذان
طرق النبي ﷺ مرة طارق، فقال من؟ وإذا بالرجل يقول: أنا، وإذا بالنبي عليه الصلاة السلام يعيد عليه كلمة أنا أنا، أي: كره قوله: أنا، صلى الله عليه وسلم.
فكان ينبغي له أن يقول: أنا فلان، فيجب أن يعرف بنفسه، وقد يأذن رسول الله ﷺ لإنسان دون إنسان، ولا لوم ولا عتاب في ذلك، إذ أصبح من الواجب والأدب الاتصال والمعاشرة والمصادقة.
ومرة طرق طارق عليه الباب، وإذا به عليه الصلاة السلام ينتبه والرجل ينظر من شق الباب، وعندما علم الطارق أن النبي ﷺ يراه ابتعد برأسه، فقال: (لو بقيت في مكانك لجئت بما يفقأ عينك، وهل جعل الإذن إلا للنظر؟).
لماذا الاستئذان؟ لكي لا يرى الإنسان عورة البيت ومن فيه، فإذا استمر هكذا يسرق النظر فإنه يكون بذلك قد خان وخرج عن العهد، وتلصص على أعراض المسلمين، فكيف بأعراض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإما أن يكون فاعل ذلك مغفلاً من أمثال هؤلاء الذين قذفوا عن غفلة، وإما أن يكون منافقاً، بل قال النبي عليه الصلاة السلام: (من رأى إنساناً يسترق النظر لداخل بيته ففقأ عينيه فلا جناح عليه).
فقد أهدر تلك العين بفقئها، وهذا مذهب الظاهرية والكثير من السلف.
قال تعالى: ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ﴾ [النور: ٢٧].
أي: هذا الفعل منكم والاستئناس والاستئذان والسلام خير لكم؛ لدوام المحبة والأخوة، ولصيانة الأعراض.
قوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النور: ٢٧] أي: لعلكم تتذكرون فيما يجب أن تقوموا به من آداب ورقائق في دوام الأخوة بين هؤلاء المسلمين، فقد آخى الله بينهم فقال: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: ١٠].
فلو جاء هذا الزائر فدخل ولم يستأذن فقد يطرد، وقد يضرب، وقد تفقأ عينه كذلك، وقد يتهم باللصوصية، وبأنه جاء للفاحشة، وقد يتعرض للرصاص، والفقهاء يعتبرون من دخل البيت بلا إذن صائلاً، والصائل يقتل.
وما جعلت الأبواب إلا لذلك، وما جعلت الستور إلا لذلك، وهذا أدب الله الذي أدب به المؤمنين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النور: ٢٧].
تتذكرون أن هذا في صالحكم، وتتذكرون أن هذا من آداب نبيكم وآداب دينكم، والآداب التي أعلنها الله وأمركم بها في كتابه.