الحث على الزواج بأكثر من واحدة
قال بعض الأئمة في قوله تعالى: ﴿فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ﴾ [النساء: ٣]: إن الزواج بواحدة رخصة، والعزيمة أن يتزوج باثنتين إلى أربع؛ لأن الله ابتدأ باثنتين فقال: ﴿فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى﴾ [النساء: ٣] ولم يبدأ بالواحدة، وإنما ذكر الواحدة للضعاف العجزة الذين يخافون نساءهم، أو الذين لا يستطيعون التصرف، قال: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً﴾ [النساء: ٣]، فليست لهم رجولة كاملة، أي: يعجزون عن الإشراف على النساء وعن إعطائهن حقوقهن، فالأصل مثنى وثلاث ورباع.
وفي حياة رسول الله ﷺ ذهب عبد الله بن عمرو بن العاص وغيره ليتبتلوا، فقال أحدهم: لا أتزوج النساء، وقال الآخر: أقوم كل الليل، وقال آخر: نصوم النهار، وكان بين عمرو بن العاص وبين ولده عبد الله اثنا عشر عاماً فقط، معناه: أن عمراً تزوج وهو ابن إحدى عشرة سنة، فولد له وهو ابن اثنتي عشرة سنة ولد سماه عبد الله، فزوجه بكريمة من كريمات وعقائل قريش، وإذا به يغيب، فدخل عمرو بن العاص على زوجة ولده فسألها: كيف وجدت زوجك؟ قال: نعم الرجل! ما كشف لنا ستراً، أي: لم يدخل الخدر ولم يسألها قط ولم يبحث عنها، فشتمه أبوه شتماً قاسياً، ثم ذهب يشتكيه إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام وقال له: يا رسول الله! إن ولدي عبد الله أراد أن يترهب ويتبتل فأجبرته على الزواج فترك زوجته، وقد زوجته بكريمة من كريمات قريش فتركها أياماً لم يلتفت إليها، وهو يقول: إني أريد أن أصوم ولا أفطر، وأن أقوم الليل ولا أنام، وألا أتزوج النساء، فأرسل خلفه ﷺ وقال له: (ما بال كلام سمعته عنك؟) فكررها عليه فقال: نعم، فقال له النبي ﷺ ولمن كان معه على هذا العمل يقول: (إني أصوم وأفطر، وأنام وأصلي، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني).
فقد جعل ﷺ ترك الزواج والهروب من تحمل مسئوليات الزوجات والأولاد ليس من سنته صلى الله عليه وسلم، وكفى بذلك توبيخاً وتقريعاً وتنكيراً، كيف والله يأمر ﴿وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ﴾ [النور: ٣٢].
فقوله: (منكم) أي: من الأحرار المؤمنين.
وقوله: (والصالحين من عبادكم وإمائكم) أمر للرجال أحراراً وعبيداً، وأمر به النساء حرات وإماءً، أي: زوجوا الصالحين للزواج من غلمانكم، والصالحات للزواج من إمائكم وفتياتكم، ومن هنا كان عمر وابن عباس وجمهور من الأئمة وهو مذهب الظاهرية وداود وآراء الكثير من الأئمة الأربعة يقولون: إذا كان الولد والأيم والأرملة لا يستطيعون الصبر على عدم الزواج فهؤلاء الزواج في حقهم واجب، ومن فتن هذا العصر وفساد اليهود وإفسادهم وفساد النصارى وإفسادهم أن أشاعوا عدم الزواج، وتبعهم المسلمون في ذلك، فلا تكاد تجد في مشارق الأرض ومغاربها مسلمين إلا والدور فيها فرد أو فردان أو أفراد من النساء والرجال الذين بلغوا الثلاثين وهم بلا زواج، وأخذوا يغرونهم بأنواع الفواحش وبالروايات الداعرة، والصور الفاجرة، والأفلام الفاسدة، وتعليق الصور على أبواب هذه الدور الفاسدة ويسمونها سينما؛ ليزيدوا هؤلاء إغراءً، فلو أن هؤلاء تزوجوا لما وجدوا سوقاً رائجاً لرواياتهم الداعرة، ولا لصورهم الفاسدة، ولا لأفلامهم المتحللة، ولكن اليهودي شيطان الأرض ما عاش إلا لينشر الفساد في الأرض، حتى أفسد النصارى ومزقهم وحلل أشخاصهم وأصبحوا هباءً منثوراً، واستعمر النصارى المسلمين وأمروهم ووجهوهم، وأفسدوهم بدورهم بالمذاهب الوافدة من شيوعية وماسونية ووجودية واشتراكية، وغيرها من الأسماء القذرة التي نشرت الفواحش على أشكالها والكفر على أنواعه، فأفسدوا البلاد والعباد، ونشروا الفساد في البر والبحر والسهول والجبال، بل حتى الأجواء لم تفلت منهم.
فقوله تعالى: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم) أي: لا تتركوا أحداً بلا زواج.
يقول أبو بكر رضي الله عنه: عجبت لمن ليس بمتزوج، ومن كان فقيراً كيف لا يتزوج، وقد ضمن الله له الغنى في الزواج! وقد قال ﷺ كما في الصحاح والسنن: (ثلاثة حق على الله تعالى أن يعينهم: الناكح يريد العفاف، والمجاهد في سبيل الله، والمكاتب يريد الأداء)، فالزواج أمرك الله تعالى به وأعانك عليه، وضمن لمن يريد الزواج تحصيناً لنفسه، وطاعة لربه، والفقر ليس بعلة، فقد جاءت امرأة إلى رسول الله ﷺ تعرض نفسها عليه فقالت له: يا رسول الله! أعرض نفسي عليك، وكان هناك رجل مسكين تظهر عليه ملامح الفقر، لما رأى النبي ﷺ لم يجبها قال له: يا رسول الله! زوجنيها، قال له: هل معك شيء؟ قال له: لا شيء، قال له: اذهب وابحث، فغاب ورجع وقال له: يا رسول الله! لم أجد شيئاً إلا هذا الرداء وهذا الإزار، هل أعطيها واحداً منهما؟ قال: لا، هذا الرداء تلبسه والإزار تلبسه، التمس ولو خاتماً من حديد، فرجع وقال: يا رسول الله! ولا خاتماً من حديد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماذا عندك من قرآن؟ قال له: سور صغيرة: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ١]، ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ [الفلق: ١]، ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ [الناس: ١]، قال له: زوجتكها بما معك من القرآن.
يعني: علمها هذه السور لتصلي بها وتعليمك عمل يحتاج لأجرة، والأجرة التي ستعطيك هذه المرأة مقابل تعليمها هو المهر.
إن هذا الغلاء في المهور وخاصة في هذه البلاد منكر وبدعة يجب أن تزول بالعنف والسجن؛ لأن البنات أصبحن من غير زواج، والأولاد أصبحوا من غير زواج، فإن سألت الشباب لماذا لا تتزوجون؟ يقول أحدهم: ذهبنا نخطب فلانة فطلب أبوها منا عشرين ألف ريال، ومنهم من يقول: أربعين ألف ريال، ثم يشترط عليه سيارة و (فلة)، والنبي عليه الصلاة والسلام لم يمنع هذا الشاب الذي طلب منه أن يزوجه كونه لم يملك حتى خاتماً من حديد، فلم يقل له: أنت لست قادراً على الزواج، وأمثالك لا يتزوجون، وهذا دليل على أن عدم القدرة على الزواج ليس في المال؛ لأن الله قد تعهد لمن يريد أن يتزوج ويرجو العفاف بالمال، قال تعالى: ﴿إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النور: ٣٢].
إذاً: قوله عليه الصلاة والسلام: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج) معناه: القدرة البشرية، فلا يكون عنيناً ولا مجبوباً ولا ضعيفاً ولا مشغولاً بقتال ولا طالب علم، بل إن طالب العلم إذا وجد أباً أو ولياً أو دولة تساعده وجب عليه الزواج، فلا عذر للطالب الجامعي إطلاقاً بألا يتزوج، فالدولة تعطيه المسكن والراتب، فماذا يريد الإنسان أكثر من هذا؟ ولذلك لو تقبل الشعوب والدول الإسلامية مشورتي لأوجبت الدول الإسلامية الزواج، ولأصدرت قراراً أنه لا يجوز للشاب أن يعمل في الدولة إلا بعد أن يكون متزوجاً، وبذلك لن يبقى في البيت عزباً ولا عزبة، كذلك لا يباح للطالب أن يأخذ شهادة بكالوريوس إلا بعد أن يكون محصناً، ومن لم يفعل أحرم من هذه الشهادة، وبالتالي أحرم من دخول الجامعة، ولكن لا حول ولا قوة، فإن هذا البلاء منتشر في الأرض، فقد تركنا النساء للأعداء كما ترون في أكثر بلاد العالم الإسلامي، يخرجن في الشوارع متبرجات عرايا يتزين للدعارة أكثر مما يتزين لأزواجهن، فإن كنا نترك الشابات بلا زواج والشبان بلا زواج حدثت الفواحش والمنكرات، وكل هذا حرمه الشارع.
وأنا أعرف شباباً تزوجوا وأغناهم الله غنىً كبيراً، وهم تزوجوا قصد التعفف والتحصين، والله تعالى استجاب لهم، وصدق الله إذ قال: ﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ﴾ [فصلت: ٤٢].


الصفحة التالية
Icon