المعجزات العلمية لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
أنزل القرآن بياناً للناس، وضياءً وتبشيراً لما يعلمونه ويدركونه، فكان هذا المثال تشبيهاً بشيء يحصل من بعد، والقرآن مليء بهذه المعاني، وقد سبق من قبل ونحن نفسر قوله تعالى: ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٨] أن ابن عباس قال: سيخلق الله بعد فيما يستقبل من المراكب ليست بغالاً ولا حميراً ولا إبلاً ولا نوعاً مما يرى، وها نحن أولاء الآن نعيش في هذا، وقد صدق في تفسيره، وكان ملهماً.
وقد بين الله لنا ذلك قبل أن يكون؛ إذ لا وحي بعد محمد صلى الله عليه وسلم، فنحن الآن نقرأ ونتلو تفسيراً وبياناً لا لفظاً وقرآناً، فنقول: والخيل والبغال والحمير والطائرة والدبابة والسيارة والقطار والصاروخ لتركبوها، وفي كل عصر يخلق الله ما لا يعلمه أحد إلا هو، وكلها من أنواع المراكب مما ينتقل عليه الناس في مشارق الأرض ومغاربها.
ومن ذلك أيضاً قول الله تعالى: ﴿وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ﴾ [التكوير: ٤] العشار: النوق الحوامل، والعشار تطلق على الإبل جميعاً، ويخبرنا الله أن من علامات الساعة أن تعطل الإبل وقد عطلت.
وكان يظن المفسرون قبل ذلك أنها لا تعطل وفي الأرض نفس تتحرك أو عرق ينبض إلا إذا قامت الساعة، ولكن عطلت الإبل في أرضها ومنبتها وموطنها فنحن لا نركبها قط، ولعل جيلنا جميعاً لم يركبها ولم يعرفها، إلا أنها أثر من الآثار تجدها شاردة في صحاري الله وفي أرضه، فلا تركب في داخل المدن فضلاً عن القارات البعيدة، وقد كان يقال لها من قبل: سفن الصحراء، واليوم قد عطلت والساعة لم تقم بعد بما خلق الله من أنواع المراكب الأخرى، ولو قيل لسلفنا: إن المراكب الآتية ستطير في الهواء وستسبح في البحار وستجري على الأرض زحفاً لما صدقوا ذلك ولما قبلوه، ولولا أننا رأينا ذلك وركبناه وعاصرناه وعشنا في واقعه لما تصورناه، والقرآن مليء بهذه المعاني وسنة رسول الله مليئة بهذه المعاني.
وكثيراً ما قلت في الحرمين الشريفين وفي قاعات الدراسة في الجامعات مشرقاً ومغرباً: إن الأصحاب أصحاب رسول الله ﷺ آمنوا برسول الله لمعجزات رأوها وشاهدوها فآمنوا بها، ونحن أيضاً آمنا برسول الله ﷺ ليس تقليداً لآبائنا فقط، بل رأينا من المعجزات في كتاب الله مما أخبر به الله ولم تكن قبل موجودة، وقد كان في عصرنا مما أخبر به الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه مما لم يكن قبل موجوداً، فآمنا بمعجزات شاهدناها وعايشناها مما زادنا إيماناً، ونقل إيماننا عن تقليد للآباء والأجداد إلى إيمان عن يقين وقناعة وبرهان، وكأن القرآن نزل علينا في عصرنا، والنبي ﷺ يعيش بين أظهرنا.
وما ذلك إلا كتاب الله الذي ينطق بالحق، وسيبقى كذلك إلى يوم القيامة، وسيبقى النبي بيننا ﷺ بسنته وببيانه وبنبوءته التي لا تنقطع، فهو آخر الأنبياء والرسل، ورسالته ستبقى عامة شاملة عالمية إلى يوم النفخ في الصور.
وأعظم معجزة للنبي ﷺ القرآن الكريم، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (ما من الأنبياء نبي إلا أوتي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي).
فهناك معجزات كانت قبل القرآن الكريم أدت مهمتها وآمن من أجلها من آمن، ولكن القرآن سيبقى المعجزة المستمرة الدائمة التي يراها كل من عاصرها، فالقرآن معجز بلفظه ومعناه، وقد تحدى الله الخلق كلهم على أن يأتوا بآية من مثله أو بسورة من مثله، ومن قبل ١٤٠٠ عام والإعجاز لا يزال قائماً والتحدي لا يزال قائماً، فلم يستطع أحد في الأرض قبل ولا بعد ولا في عصرنا أن يأتي بآية من مثله أو بسورة من مثله، وسيبقى الأمر هكذا دواماً واستمراراً على كثرة البلغاء والفصحاء والخطباء والعلماء والمتكلمين، ويبقى الإعجاز قائماً، وصدق الله جل جلاله حيث قال: ﴿نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ [النور: ٣٥].
فالله يفعل في خلقه ما يشاء، يهدي من يشاء ويضل من يشاء، ونحمده جل جلاله ونشكره بكل خلايا أجسامنا على أن هدانا وجعلنا ممن هداه وأنار قلبه، فآمنا به إلهاً واحداً، وآمنا بمحمد عبده نبياً ورسولاً، وآمنا بالقرآن كتاباً، وآمنا بالرسالة المحمدية رسالةً خاتمة لا رسالة بعدها أبداً، فهذه أنوار وإشراقات، فهي نور على نور أكرم الله به المؤمن، فأصغر مؤمن بل أفجر مؤمن وهو لا يزال يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ أشرف من جميع الخلائق غير المؤمنة، تلك دواب وأنعام خير لها أن تكون في باطن الأرض من أن تكون على ظاهرها، والمؤمن على خير على كل حال، والله جل جلاله لا يغفر الكفر ولا يغفر الجحود، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: ٤٨].
قال تعالى: ﴿يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ﴾ [النور: ٣٥] هذه الأمثال جمع مثل ضربها الله جل جلاله لما فيها من تشابيه تقرب المعاني للإنسان؛ لأن المعاني العلوية والمعاني الأزلية الإلهية لا يكاد العقل يتحملها، والنفس لا تكاد تطيقها، فالله يأتي بتشابيه تراها العين وتسمعها الأذن؛ ليقرب لنا المعنى.
قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [النور: ٣٥] عليم بضمائرنا وقلوبنا وما يجري في أنفسنا، عليم بالصادق منا والمنافق، عليم بالمؤمن منا والكافر، ولذلك فإن العليم جل جلاله يعطي عباده المؤمنين من علمه، قال تعالى: ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ [يوسف: ٧٦]، ومن هذه المعاني السامية ما هو موجود في هذه الآية الكريمة.


الصفحة التالية
Icon