تفسير قوله تعالى: (وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين)
ثم يقول الله عن هؤلاء المنافقين القدماء والمحدثين: ﴿وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ﴾ [النور: ٤٩] يعني: إذا وجدوا في الشريعة ما يتفق مع مصالحهم بادروا إليه مذعنين خاضعين مستسلمين، فتجدهم ملتزمين بما يخص مصالحهم كالمواريث والسياحة والمعاملة وغيرها.
فإذا أتت الحدود بالرجم والصلب وتقطيع الأيدي والأرجل وبالجلد أمام الشهود، إذا بهم يصيحون ويستنكرون ويقولون بوحشية هذه الحدود، ولم يروا إفكهم ودعارتهم وضلالهم، ومن قتل القاتل وظلم الظالم وفسق الفاسق، فلم يفكروا في ذلك، وهكذا هم في كل زمان ومكان، فإنهم إذا دعوا لما يرون فيه مصلحة في الإسلام قبلوه وأذعنوا إليه وخضعوا له، ومن هنا كان المنافقون في العصر النبوي -وما أشبه اليوم بالأمس- إذا علموا أن رسول الله سيحكم لهم ذهبوا إليه وتحاكموا إليه، وإذا رأوا أن الحكم عليهم نفروا منه وحكموا بعضهم، وقد يحكمون اليهود كـ كعب بن الأشرف وأمثاله، وهكذا هم اليوم، فقد ألغوا الشريعة وتركوا منها آثاراً أشبه بآثار الوشم في اليد.


الصفحة التالية
Icon