تفسير قوله تعالى: (وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا)
قال تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا﴾ [الكهف: ٥٩].
قوله: (تلك القرى) أي: أهل القرى السابقة في الأمم الماضية، عاقبهم الله تعالى وأهلكهم، ودمرهم بأنواع من الهلاك كالغرق والصواعق والزلازل، وبجعل الأرض عاليها سافلها، وبأنواع العذاب، فعجل لهم الهلاك وأسرع به لهم.
قوله: (لما ظلموا) أي: عندما أشركوا بالله وظلموا أنفسهم، ورفضوا الإيمان بربهم، وأبوا قبول الرسالات، والهدايات والمعجزات، والأدلة الواضحات الفاضحات، ولم يرغبوا إلا في الكفر والجحود، فأخذهم أخذ عزيز مقتدر.
قوله تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا﴾ [الكهف: ٥٩] معناه: يا هؤلاء! خذوا العظة والعبرة مما جرى لمن سبقكم، فالسعيد من وعظ بغيره، والشقي الذي لا يوعظ إلا بنفسه، فإذا بطش به، وإذا سحق وعوقب يكون قد فات الأوان، والوقت سيف إن لم تقطعه قطعك.
قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا﴾ [الكهف: ٥٩] أي: وكان لهم موعد في هلاكهم ودمارهم وفي القضاء عليهم في عقوبتهم، فذهب ملكهم وسلطانهم، وذهب عزهم ونورهم، وذهبت حضارتهم، وذهب ما أسسوه وأتقنوه وعاشوا له قروناً، وكأنهم لم يكونوا يوماً في الأرض، بادوا ثم بادوا، وانتهى وجودهم وعادوا إلى عذاب ربهم بعد أن أعطاهم فرصة الإيمان والهداية، فأبوا إلا الفسق والعصيان والجحود والكفران.
قوله: ﴿وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ﴾ [الكهف: ٥٩] قرئ (مَهلِكِهم) و (مَهلَكِهم) و (مُهلَكِهم) والمعنى واحد، وكلها قراءات متواترة صحيحة، ومعناه: أنه جعل لهم مكاناً وموعداً، وهو يوم القيامة، يوم العرض على الله، وقد يكون هذا العذاب له موعدان، موعد في الدنيا وموعد في الآخرة، كما صنع بأهل القرى الماضية، وكما صنع بالأمم السابقة.


الصفحة التالية
Icon