تفسير قوله تعالى: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول)
قال الله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [النور: ٥٦].
دلنا الله على الخير الذي قاله في أول الآية: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [النور: ٥٥] فكان من هذه الصالحات إقامة الصلاة، والإتيان بالفروض الخمسة وإقامتها، والمحافظة عليها في أول أوقاتها بطهارتها، وباستقبال قبلتها، وبالمحافظة على أركانها وواجباتها وآدابها وسننها، وأن تكون لله ليس فيها رياء ولا سمعة.
وفي هذه الآية الأمر بالقيام بحق الله وحق العباد، فحق الله تعالى عبادته ليلاً ونهاراً، والسجود له، ولا يليق أن توضع الجباه في الأرض إلا لله، ولا أن تطأطأ الرءوس إلا لله.
وحق العباد هو في قوله: (آتوا الزكاة) أي: آتوهم من مال الله الذي آتاكم، وأعطوا الفقراء حقوقهم، وأعطوا المساكين واجباتهم، أعطوهم من مال الله الذي أعطاكم، وقد خرجنا لهذه الدنيا لا نملك مالاً ولا نسباً، فهو الذي أعطانا من فضله وخيره، وأوجب علينا أن نؤدي من ذلك المال قدراً منه، وقد بينه ﷺ في سنته، فللفقراء حقوقهم وما ملكهم الله في أموالنا، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ﴾ [التوبة: ٦٠] فاللام هنا للتمليك، فقد ملك الله الفقراء جزءاً من مال الأغنياء، فللفقراء مالهم وحقوقهم في الذهب والفضة والزراعة والتجارة وفي غيرها، ومن لم يفعل ذلك أفقره الله في الدنيا، وسلط عليه من يأخذ ماله وغناه، وهذا الذي حدث، وما سلطت الشيوعية والاشتراكية وأعداء الله على المسلمين إلا عندما منعوا الفقراء حقوقهم، فسلط عليهم من أخذها وصادرها منهم، وهكذا عندما لا يشكر المسلم المنعَم عليه النعمة الإلهية فإنه يسلبها مع الذل والهوان والعقوبة.
قال تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ [النور: ٥٦] أجمل الله تعالى فعل الخيرات والصالحات بطاعة الرسول، والرسول عليه الصلاة والسلام وجدناه مبيناً للقرآن مفسراً له، فأمرنا بالصلاة، وبالزكاة، وبالصيام، وبالحج، وبتعلم العلم، وبترك المنكرات، وبحب المسلمين وخدمتهم واعتبارهم إخوة، وأمرنا أيضاً ببغض الكافرين والمنافقين وجهادهم بالمال والنفس، وبكل ما نملك من عزيز علينا، وإذا ترك المسلمون الجهاد ذلوا، وهذا الذي حدث، وقد قال علماؤنا -بجميع مذاهبهم- ما ترك المسلمون الجهاد في عام إلا وسلط عليهم أعداؤهم، فالجهاد يجب أن يبقى دائماً وإلى أبد الآباد ما دام في الأرض مؤمن وكافر، وفي الأرض مؤمن وكافر دواماً واستمراراً.
وعلماؤنا وفقهاؤنا قسموا الأرض إلى قسمين: أرض إسلام، وهي ما يحكمها المسلمون بكتاب ربهم وسنة نبيهم، وأرض حرب وهي ما يحكمها الكفار بكل مللهم وأشكالهم، وبقوانينهم الجائرة وآرائهم الفاسدة، فما كان من أرض الكفار وأرض الحرب فهو للمسلمين مجال حيوي للقتال فيه، والاستيلاء عليه، فإن لم يفعلوا فبمعصية منهم لربهم ولنبيهم، وسيكونون في ذل يسلط عليهم.


الصفحة التالية
Icon