أوقات الاستئذان الواجب
ثم فصل الله تعالى وذكر هذه المرات الثلاث في اليوم والليلة، فقال تعالى: ﴿مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ﴾ [النور: ٥٨]، فعادة الإنسان أن يكون نائماً قبل صلاة الصبح، وأن يكون في غرفته مع زوجته أو وحده، وقد يكون عرياناً أو نصف عريان، وقد يتعرى وهو نائم ولا يشعر، فلو دخل عليه طفله أو دخل عليه غلامه فسيراه في حالة لا يرضى أن يكون عليها.
وقد حدث من الصحابة من عمر ومن غيره، ومن النساء والرجال أن قالوا: يا رسول الله! يدخل علينا خدمنا وأولادنا ونحن في حالة نكره أن يرونا عليها، وبعضهم قد يكون مع المرأة في الحالة التي يكون عليها الزوج والزوجة عادة، وإذا بالآية تنزل كما أمر الله تعالى بالاستئذان ثلاث مرات.
والمراد بقوله: (ومن قبل صلاة الفجر) يعني: قبل أذان الفجر، ويكون الإنسان عادة نائماً، أو في وقت خلوة وعورة له.
ثم قال تعالى: ﴿وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ﴾ [النور: ٥٨] أي: عند القيلولة، وذلك عندما يعود الإنسان من عمله، أو من متجره أو مزرعته أو مكتبه أو مدرسته، فيعود فيأكل لقمة أو لقمتين ثم يقيل، وفي الحديث النبوي: (قيلوا فإن الشياطين لا تقيل)، فيدخل غرفته أو بيته ويغلق عليه الباب ويرخي الستور، ويضع الثياب لينام في وقت الظهيرة، أي: وقت الظهر أو وقت الزوال أو وقت وقوف شمس في كبدء السماء.
ثم قال تعالى: ﴿وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ﴾ [النور: ٥٨]، فالعادة أن الإنسان عندما يصلي العشاء فإنه يذهب للنوم؛ ليأخذ راحته، وليستعين بالنوم باكراً على الاستيقاظ لصلاة الصبح في وقتها.
واستدل بالآية على أن الإنسان ينبغي له أن ينام بعد صلاة العشاء، وأما العشاء فيجب أن يكون قبل ذلك؛ حتى لا تمرض معدته، فلا يملأ معدته ثم يذهب للنوم فهذا ضار بالبدن.
ويكره النوم قبل صلاة العشاء والصحو بعدها، وقد ثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يسمر أحياناً في بيت أبي بكر، ولكن لمصالح المسلمين، والعمل لمصالح المسلمين هو عبادة في حد ذاته، ولا يجوز السهر إلا في هذه الحالة ونحوها، وما عدا ذلك فلا بل ينام مبكراً.
والآن مع وجود التلفزيون الذي قد دخل البيوت، وانتشر في الأرض، ولا يمكن الفرار منه بحال، يخالف كثير من الناس ما تقدم، لكن يجب على رب البيت أن يكون رجلاً، وألا يكون ضعيف الإرادة، أو خائراً، فيجعله في وقت محدود عندما يكون فيما ينبغي أن يرى، وأما ما لا ينبغي أن يرى فيجب أن يمنع منه نساءه وأولاده، ولو أن يزيله البتة، أو يكسره بيده أو بآلة حادة، أو يجعله في مكان فيغلق عليه، لكان حسناً.
وأما إذا كان ضعيف الإرادة خائراً في بيته، فالأمر يصبح مصيبة، ويبقى من البلاء المنتشر ما الله به عليم، وليس التلفزيون فقط، بل تكون السهرات من غير تلفزيون فيما لا يرضي الله، ولا يرضي رسوله عليه الصلاة والسلام، وكل ذلك بلاء ومحنة وفتنة للإنسان؛ ليختبر هل هو مؤمن حقاً يأمر أولاده بما يجب أن يأمرهم به، وهل يلزم امرأته بما يجب أن تلتزم به من الإسلام وأخلاقه وطاعاته.