تفسير قوله تعالى: (قل أذلك خير أم جنة الخلد)
قال تعالى: ﴿قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا﴾ [الفرقان: ١٥].
يقص الله علينا ما سيحدث يوم القيامة؛ لعل المجرم منا يقول يوماً: تبت إلى الله، ويقول: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين، ويقص الله ذلك للمؤمن ليزداد بذلك فرحاً كونه على الخط المستقيم.
يقول الله: قل يا محمد! ﴿أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ﴾ [الفرقان: ١٥] فأيهما أحسن بالنسبة للصالحين والطالحين: هل هذا الذي ذكره الله من السعير والخلود في النار والسلاسل والأغلال والضيق في جهنم والدعاء بالويل والثبور، أو جنة الخلود والإقامة والسعادة، وأن لهم فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر؟ وكلمة (خير) هنا ليست على بابها، فخير في لغة العرب تقتضي المشاركة والزيادة، ولا يقال: هذا خير من هذا في معنى الزيادة، إلا إذا كان اثنان أو عملان فيهما خير ولكن أحدهما أكثر خيراً، فالمعنى هنا: أذلك خير في وجهة نظرهم؟ فهؤلاء عن طواعية منهم ورضاً قبلوا أن يكونوا في صف المشركين، وقبلوا أن يكونوا من أهل السعير، ويكونوا مقرنين مع الشياطين في جهنم، وقبلوا أن ينادوا يا ويلهم! ويا هلاكهم! ويا خسارتهم! هل هذا الذي سيصيرون إليه إن أبوا إلا ذلك وأصروا عليه خير أم الجنة الخالدة؟ قال تعالى: ﴿أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا﴾ [الفرقان: ١٥] أي: هذه الجنة الخالدة كانت للمتقين جزاءً مكافأةً وأجراً وثواباً، وإليها يصيرون بعد الموت.
وقد قال الله في تمام وصف الجنة: ﴿لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ﴾ [الفرقان: ١٦] أي: لهم فيها ما يشاءون من مآكل ومشارب ومناكح ومساكن ولذائذ ونظرة كريمة لله العظيم، لهم فيها كل ما اشتهت أنفسهم، ولهم فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
قال تعالى: ﴿كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا﴾ [الفرقان: ١٦] أي: وعداً واجباً، فقد أوجب الله ذلك على نفسه ولا يجب عليه شيء، ولكنه أوجبه على نفسه للمتقين الذين يموتون على التقوى، وللموحدين الذين يموتون على التوحيد، وللصالحين الذين يموتون على الصلاح، وهكذا جزاء الله لهؤلاء الصالحين ومكافأته لهم.
وبياناً لمعنى مسئول يقول الله تعالى: ﴿لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٣]، فتلك إشارة لقولنا في الدنيا كما علمنا الله وكذلك في الآخرة بفضل الله وكرمه: ﴿وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ﴾ [آل عمران: ١٩٤]، أي: نسأله الذي وعدنا إياه من الجنان ومن النعيم ومن الرحمة والرضا.
وما يدعو به الملائكة للمؤمنين: بأن يؤتيهم الله ما وعدهم من الرحمة والجنان والخيرات والرزق الدائم الحسن الطيب بما لا يكاد يحلم به إنسان في الأرض.
فالله قارن -وهذه سنة القرآن- بين الأتقياء وما أعد الله لهم من خير، وبين الأشرار وما أعد الله لهم من شر؛ نكالاً نتيجة أعمالهم.
وهكذا يقارن الله في هذه الآية، فالعادة في القرآن في كل الآي أن يذكر الله أهل النار وبلاءهم وخزيهم ودمارهم، ويذكر مقابل ذلك أهل الجنة وجزاءهم وخيرهم وما أعد الله لهم من نعيم دائم.


الصفحة التالية
Icon